إبراهيم قيراس  - صحيفة وطن – ترجمة وتحرير ترك برس

أنهت السياسة التركية قرنها العشرين بوفاة سليمان دميرال، والذي كان له الفضل في رسم سياسة تركيا في ذلك القرن، ولكي نفهم دميرال، علينا أولا فهم الجيل الذي نشأ معه دميرال، فجيله هو الذي درس في أربعينات القرن الماضي في جامعة اسطنبول التقنية، ومنهم ارباكان وأوزال وغيرهم، هؤلاء بدؤوا تعليهم في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، أي بعدة عدة سنوات على تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وفتحوا أعينهم وأدركوا ما حولهم أثناء الحرب العالمية الثانية، ومع أنّ تلك الفترة كان فيها حزب الشعب الجمهوري هو المسيطر والحاكم، إلا أنهم وضعوا مسافة بينهم وبين الحزب، وفضلوا ممارسة عملهم السياسي كمعارضة، وضد الشيوعية، وكانوا جيلا محافظا ووطنيا.

هذا الجيل نشأ وسط أزمات اقتصادية عديدة كانت تعاني منها تركيا، لهذا كانوا يملكون الهمة والنشاط والعزيمة من أجل النهوض بتركيا، وهو جيل من المهندسين، كان يطمح لبناء المصانع في تركيا وشق الطرق وبناء السدود من أجل النهوض باقتصادها مجددا.

وبالنظر إلى انتماء دميرال إلى هذا الجيل، نجد أنه فعلا حقق نجاحات باهرة وعظيمة في مسيرته السياسية، حيث أصبح رئيسا لحزب العدالة في ستينات القرن الماضي، ثم أصبح رئيسا للوزراء، وصار صاحب الكلمة التي تعبر عن إرادة الشعب التركي.

يعتبر دميرال من أفضل المهندسين الذين مروا على تاريخ تركيا المعاصر، لما أحدثه من تغييرات عديدة، لا زالت آثارها ماثلة أمامنا إلى الآن، وكان دميرال من "السياسيين القرّاء" القلة في ذلك الزمن، فعندما كان أصدقاؤه يزورونه في بيته، كانوا دوما يجدون الكتب تملأ مكتبه، حتى وصف البعض أنّ غرفة دميرال تحولت إلى مكتبة حقيقية من كثرة الكتب التي فيها.

والأمر الآخر الذي ميّز دميرال في تلك الفترة، هو اعتماده على البحوث العلمية، ومن ذلك دراسته التفصيلية للنهضة اليابانية، حيث حضر العديد من الندوات والدروس التي تتحدث عنها، وكذلك في مواضيع أخرى عديدة كان يسمع لمحاضرين جامعيين وأكاديميين وأصحاب رأي، ويدوّن ملاحظاته بعد كل دراسة وبحث وندوة.

وبوفاة دميرال وانتقاله إلى الدار الآخرة، أسال الله له الرحمة، ولرفقاء دربه، وأرجو الله أنْ تغلب حسناته على سيئاته.

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس