د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

الجميع يعرف بالتحولات السياسية في مواقف تركيا وطريقة تعاملها مع ملف الأزمة السورية. والكل يتابع عن قرب رزم القرارات والتدابير السياسية والإدارية المتخذة في موضوع اللجوء وإعادة تنظيمه لأكثر من سبب.

التصعيد الأخير الذي ظهر إلى العلن في ملف اللجوء وتحديدا حيال اللاجىء السوري حمل معه الكثير من الدروس والعبر بينها:

الموضوعية والمصداقية والشفافية ضرورة لا يمكن التخلي عنها حتى في أصعب الظروف.

لا يمكن توجيه الاتهامات بما لا يليق ويتعارض مع ما قدمته وتقدمه تركيا في ملف اللجوء، وإنكار أنها كانت في طليعة الدول التي فتحت أبوابها وحضنها أمام مئات الآلاف من الوافدين السوريين الهاربين من بطش النظام في دمشق.

ولا يمكن تجاهل ما قيل حول وقوع أحداث فردية تم استخدام الشدة أو الخروج عن قواعد ومعايير القانون وشكل التعامل مع اللاجئ فيها، مهما كان حجم مخالفته في الإقامة والعمل والتجول.

وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له قبل أيام نقطة على السطر وهو يتحدث عن ملف اللجوء وتفاعلاته في تركيا "فتح أبوابنا أمام المظلوم ورثناه عن أسلافنا ولن يتمكن أي فتّان ولا محرض ولا فاشي من تغيير هذا الموقف الوجداني".

كلما اقترب موعد الانتخابات المحلية التركية المقررة بعد 8 أشهر، عاد موضوع اللجوء إلى قلب النقاشات في الداخل التركي. حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية يريد استرداد إسطنبول وأنقرة من المعارضة التي ستتوحد ضده من جديد. وهو لا يريد منحها مرة أخرى فرصة تحريك هذه الورقة ضده.

تردد القيادات التركية أن هدف التدابير والقرارات السياسية والإدارية الأخيرة في موضوع اللجوء والتشدد في وضع قانونية اللاجىء داخل المدن التركية خصوصا الكبرى منها، هو قطع الطريق على الدخول غير الشرعي إلى البلاد وإنهاء الوجود غير القانوني لآلاف الأشخاص فوق الأراضي التركية. لن يعترض اللاجىء أو الوافد النظامي الذي يحظى بالرعاية القانونية على ذلك. قطع الطريق على أخطاء أو تجاوزات تنظيمية تحصل في أثناء التطبيق بين الضرورات والأولويات أيضا.

حقائق أخرى لا بد من التوقف عندها بجدية وحزم:

يدفع اللاجىء أينما كان ثمن الأخطاء التي ارتكبت في إدارة شؤون بلاده ودفعته للمغادرة خارج رغبته وإرادته في معظم الأحيان.

ثم دفع مرارا ثمن الوقوع ضحية مواجهات المصالح والحسابات السياسية الضيقة.

ويتحمل اللاجىء أيضا في الكثير من الأحيان نتائج الأخطاء التي يرتكبها اللاجىء الآخر الذي غادر معه لنفس الأسباب لكنه يختلف عنه في التفكير والطموح وقبول الوضع الجديد.

قرر البقاء لاجئا حيث هو بانتظار أن يحسم البعض مشكلته ويساعده على حلها، فوجد أن المشكلة أصبحت تتعلق بتنظيم علاقته كضيف مع المضيف الذي أقلقته إطالة المدة. هناك من حالفه الحظ ونجح في الانتقال إلى المدن وأصبح تاجرا ورجل أعمال وصاحب مهنة، لكن هناك من بقي في المخيمات تحت رحمة القضاء والقدر وبانتظار من يحمل له فسحة الأمل.

ما لن يقبل به اللاجىء السوري أيضا هو أن لا تتعلم قياداته في الداخل والخارج الدرس وأن تنسى ما قدمته من وعود وتعهدات له، عند رفع شعار التغيير وأن مغادرته ثمينة لكن عودته لأراضيه ستكون أثمن.

فتحت قيادات حزب العدالة والتنمية في الحكم الحدود أمام مئات الآلاف من السوريين قبل سنوات، وتعهدت بتسهيل إقامتهم ومساعدتهم على العودة المشرفة. الحل الذي يقترحه البعض بعد عقد من الزمن هو التفاهم مع النظام في دمشق وإقناعه بدعم خطة المنطقة الآمنة وتسهيل عودة طوعية لجزء من الوافدين. أين أصبحت أسباب مغادرة اللاجىء ودوافعها إذا؟ ومن سيجيب عن تساؤل مصير الشعارات السياسية التي رفعها مئات الآلاف على طريق التغيير وتحمل اللاجىء عبئا كبيرا من أجلها؟

تركيا دولة قانون ولن تسمح بإهانة ضيوفها. المعارضة السياسية هي السبب. كلام جميل لكن ما يواكب التطبيق هو ما يقلق اللاجئ أيضا. هل سيضاعف حزب العدالة جهوده من أجل تسريع الحل السياسي في الملف السوري أم هو سيعطي الأولوية لإنجاز المساكن المؤقتة في شمال سوريا قبل موعد الانتخابات المحلية وتسهيل عودة الآلاف لإقناع ناخبيه أنه يتعامل بجدية وحزم مع ملف اللجوء؟ اللاجئ يريد أن يعرف أيضا وهو من حقه إذا ما كانت خطط التطبيع بين أنقرة والنظام ستعطيه ما يريد من ضمانات أم أنه سيبحث عن وسيلة وفرصة تحقق له الحلم في مكان آخر؟ وأن يسأله أحدهم عما إذا كان سيقبل أن يتحول إلى ضحية للقرارات والممارسات السياسية الخاطئة التي تعهدت بحل سريع للتغيير في سوريا وتأمين عودته، ثم أوصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التوتر والتعقيد؟ ولماذا يقبل أن يعود "طوعيا" إلى بلاده التي غادرها دون أن يسأل، ويتجاهل حقه في السؤال عما إذا ما كان سيجبر على المغادرة من جديد لأنه يعود بلا ضمانات سياسية وأمنية واجتماعية؟

كان اللاجىء سعيدا ليلة إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا، لذلك هو يريد أن يعرف

لماذا عاد موضوعه إلى الواجهة في نقاشات الداخل التركي بعد شهرين على فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وهزيمة مشروع تحريك الملف إلى ورقة مقايضة ومساومة كان يعد لها البعض ويريدها في مواجهة الحزب الحاكم؟

يكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن لا تحول في سياسة تركيا حيال الهاربين من قمع أنظمتهم لأسباب إنسانية وأخلاقية ودينية وأن المعارضة التركية تتحمل مسؤولية التلاعب بهذا الملف والمتاجرة به سياسيا وانتخابيا. أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا 8 أشهر لتسجيل اختراق ما في الملف السوري بشقه السياسي. تعذر ذلك لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته الوافد السوري. فوزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو هو الذي تعهد أمام الجميع "بأننا عندما نتحدث عن عودة كريمة للاجئين، علينا ضمان عودتهم بشكل آمن إلى بلادهم، وعلينا القيام بذلك بحكمة، وبما يتوافق مع مبادىء حقوق الإنسان، والقانون الدولي، والدستور التركي”. وهو الذي واصل حديثه بأن "نظام الأسد بما هو فيه اليوم لا يمكنه تقديم ضمان حماية السوريين العائدين وتأمين احتياجاتهم الأساسية". ووزير الداخلية السابق سليمان صويلو هو الذي تحدث عن منع دخول 450 ألف سوري إلى تركيا في العام المنصرم وأن الرغبة في الانتقال إلى الجانب التركي ما زالت قائمة بالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الموجودين على مقربة من الشريط الحدودي. فمن الذي سيقنع اللاجىء السوري بفوائد وإيجابيات العودة الطوعية وسط كل هذا التردي الأمني والمعيشي والسياسي في الداخل السوري؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس