أحمد إشجان - عربي بوست

منذ أن أطلقت حماس عمليتها ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. دمرت الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل في أعقاب هجوم حماس عديداً من المستوطنات في غزة. وفي حين أن حصيلة القتلى تأخذ في الارتفاع، فإن ردود الفعل من المجتمع الدولي كانت مثل المتوقع تماماً. الدعم الأكبر لفلسطين، وهو المجال الوحيد الذي يمتنع فيه الغرب عن الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، جاء من المجتمعات المسلمة وليس من الدول المسلمة. وفي حين أن المسلمين الذين يعيشون في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا وإفريقيا وقفوا بجانب فلسطين من خلال الاحتجاجات المتعددة، فإن البلاد الغربية ووسائل الإعلام الغربية أظهرت صراحةً، أو بطريقة غير مباشرة، كامل دعمها لإسرائيل.

الخطأ الأكبر: طلب المساعدة من وسائل الإعلام الغربية

إن موقف الإعلام الغربي، الذي يتمثل شاغله الأكبر في التلاعب بالرأي العام المحلي والدولي بدلاً من تغطية الأحداث والأخبار والتطورات بحيادية، لم يشكل مفاجأة لأحد. وليس من قبيل المصادفة أن الناشر الإعلامي، الذي يُعد موضوع ما يُعرف باسم "تأثير سي إن إن" (CNN Effect)، أفاد بأن "حماس أطلقت مئات الصواريخ على مدينة إسرائيلية" وكتب ذلك بأحرف كبيرة في عنوانه الرئيسي، وألحق به عبارة تقول "إسرائيل في حرب مع حماس عقب هجمات غير مسبوقة" في العنوان الرئيسي. أعتقد أن تأكيد شبكة CNN على "الحرب" مهمٌ هنا. تحدث الحرب بين دولتين؛ ولذا، لا يستطيع نتنياهو ولا CNN أن يقول إن "إسرائيل في حرب مع حماس". فالدول فقط هي التي تستطيع أن تخوض حرباً ضد دول أخرى، فلا يمكن لإسرائيل أن تكون في حرب إلا مع فلسطين. وفي تلك الحالة، تملك فلسطين حق الدفاع عن نفسها، حتى إن كان دفاعاً جماعياً عن النفس. أي أنها سيكون لها الحق في طلب مساعدة دولة أخرى في دفاعها عن نفسها. وبمعرفتهم بذلك جيداً، يكتب المسؤولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام الغربية أن إسرائيل في حرب مع "حماس"، وليس مع فلسطين.

وحتى مع عنوان رئيسي أشد هزلية ومأساوية، تعرضه هيئة الإذاعة البريطانية BBC. تحاول BBC التلاعب بعواطف قرائها بعنوان رئيسي يقول: "حماس قتلت الأطفال والرضع في مذبحة بقرية إسرائيلية"، ومرة أخرى بخط عريض. وبالمثل، تكتب الهيئة البريطانية عنواناً يقول: "رهائن حماس: من هم الأشخاص الذين أُخذوا من إسرائيل؟"، مع استخدام 4 صور لأطفال، وصورتين لفتاتين مراهقتين، وصورة لامرأة مسنة. أستميحكم عذراً إن كنت مخطئاً، لم أر قط صورة لطفل فلسطيني مذبوح على شاشة أو منصات هيئة الإذاعة البريطانية BBC. والسبب واضح: يوجد نهج هنا يتمثل في أن ثمة "طفلاً، ولكن لمن الطفل؟".

يُضرب مثلٌ آخر في صحيفة Politico. لدى Politico خبر على صفحتها الرئيسية يقول: "ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز تنتقد "التعصب والقسوة" في مسيرة بميدان التايمز دعماً لفلسطين". في هذا المقال، تنتقد الناشطة وعضو الكونغرس الأمريكي ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، التي يُشار إليها في وسائل الإعلام الغربية باسم "AOC"، الاحتجاجات الداعمة لفلسطين في الولايات المتحدة، والاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وتشوّه سمعتها وتصفها بأنها معادية للسامية ومتعصبة.

ولا نهاية لمثل هذه الأمثلة الواردة من وسائل الإعلام الغربية. الدرس الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه الأمثلة، هو أننا ينبغي لنا أن نتوقف عن طلب المساعدة من وسائل الإعلام الغربية.

خطاب صوابية سياسية خطير

أحد أخطر الخطابات في هذه الحرب، التي يجوز لنا أن نصفها بـ "حركة المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل"، كانت ردود الأفعال القادمة من المكان الذي نعدُّه في الغالب العالم الإسلامي. إن خطر ردود الأفعال هذه، يتمثل في أنها تأتي من "الداخل". بعبارة أخرى، الخطاب الذي ينبع من وسائل الإعلام في بلاد المنطقة، بعيداً عن وسائل الإعلام الغربية، التي نعرف بالفعل ما يقولونه دائماً عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وهذا الخطاب الخطير هو أن تقيِّم الصراع بأكمله استناداً إلى حوادث متفرقة من انعدام الإنسانية، التي يُزعم أن حماس ارتكبتها؛ إذ إن قولك: "أنا ضد قتل كل البشر، سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين" بطريقة "صائبة سياسية" للغاية، لا يجعلك بطلاً للإنسانية في هذه القضية الخاصة. وتفسير عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول التي أطلقتها حماس، من خلال التركيز على الحاجة إلى تجنب الخسائر في صفوف المدنيين، يفوِّت الأسباب الجذرية للحادث، ويخلق تصوراً بأن كل ما نحتاج إلى التحدث عنه هو وفيات المدنيين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي الواقع، الأمر أكبر من هذا بكثير، إنه التعرض للظلم الذي يجري منذ عقود. وباختصار، ليس شعار "لا للحرب، لا لوفيات المدنيين" -في الوقت الذي تنهض فيه فلسطين من أجل المقاومة، وهي التي تواصل إسرائيل افتراسها رويداً رويداً- إلا محض نفاق وجبن. كان ينبغي لكم أن تهتفوا بهذا الشعار ليس الآن فحسب، بل وأيضاً في عام 1948 في كل أنحاء فلسطين، وفي عام 1982 في لبنان، وفي عام 2010 على متن سفينة مافي مرمرة، وفي عام 2014 في غزة!

تصريحات القادة الغربيين

بالإشارة إلى أن كثيراً من المدنيين الإسرائيليين قُتلوا وأن المئات جُرحوا بعد هجوم حماس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش جميع الأطراف "للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس بما يتفق مع القانون الإنساني الدولي تجاه المدنيين"، وأعلن أن السلام يمكن تحقيقه عبر المفاوضات التي تقود إلى حل الدولتين.

على الجانب الآخر، ذكر الرئيس الأمريكي بايدن أن "دعم إدارتي لإسرائيل هو صلبٌ كالصخر وراسخٌ"، وأنهم سوف يقدمون كل الدعم الضروري لإسرائيل من أجل أن "تدافع عن نفسها". وكما تعرفون، ترسل الولايات المتحدة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس جيرالد فورد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل. يقول بايدن إن هذه الخطوة تستهدف أيضاً القضاء على التهديدات الممكنة ضد إسرائيل، في إشارة إلى إيران.

على الجانب الآخر، ذكر الرئيس الأمريكي بايدن أن "دعم إدارتي لإسرائيل هو صلبٌ كالصخر وراسخٌ"، وأنهم سوف يقدمون كل الدعم الضروري لإسرائيل من أجل أن "تدافع عن نفسها". وكما تعرفون، ترسل الولايات المتحدة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس جيرالد فورد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل. يقول بايدن إن هذه الخطوة تستهدف أيضاً القضاء على التهديدات الممكنة ضد إسرائيل، في إشارة إلى إيران.

أصدرت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلاد الغرب الأخرى أيضاً تصريحات تعبر عن دعم إسرائيل وإدانة حماس. وأعربوا أيضاً عن دعمهم لإسرائيل، واحترامهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

باختصار، مرة أخرى لم نتفاجأ بالموقف الغربي في هذا الحادث. يتمثل الخطأ الأخطر هنا في أن نرفض هذا الحادث بوصفه "هجوماً عن طريق حماس" من تلقاء نفسها. إن هجوم حماس في واقع الأمر ما هو إلا انتكاس صراع لم ينته أبداً منذ عام 1948. بعبارة أخرى، إنه استمرار لحرب 2014، التي قُتل فيها 2158 فلسطينياً، من ضمنهم 551 طفلاً، واستمرارٌ لحوادث المسجد الأقصى المشهودة في السنوات الأخيرة، التي قُتل فيها الفلسطينيون، واستمرار لوضع غزة، التي تُحاصَر والتي تُغلق فيها آبار المياه بالأسمنت، واستمرار لوضع الضفة الغربية، التي حُبست بجدار، ومن ثم ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، واستمرار لحال الضفة الغربية، التي تُضم تدريجياً وباستمرار عن طريق جلب المستوطنين. يسهل تنحية هذه العملية برمتها وإطلاق تعليقات جوفاء تقول: "حماس شنت هجوماً، وإسرائيل هي الضحية".

ما نحتاج إليه هو روح جديدة على غرار حادثة "دقيقة واحدة"

في قمة دافوس عام 2009، نتذكر جميعاً اللحظة التي وقف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد تحيز مدير الجلسة بقوله "دقيقة واحدة" في جلسة مع شيمون بيريز. وهذا الغضب، الذي تردد صداه في العالم الإسلامي، رفع من شعبية أردوغان بشدة. ويُعزا هذا إلى أنه في هذه اللحظة، استطاع رفع الصوت الذي أراد المجتمع الإسلامي بأكمله أن يصدح به. واليوم، توضح تصريحات أردوغان مرة أخرى أنه يقف في صف الشعب الفلسطيني. قال أردوغان: "نعتقد بأنه لن يكون هناك سلام في المنطقة بدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة متكاملة جغرافياً على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس". ومرة أخرى يؤكد أردوغان: لا خاسر من السلام العادل. كذلك ذكَّر أردوغان المجتمع الدولي بأن الاحتياجات الإنسانية مثل الكهرباء والمياه لا يجري إمداد غزة بها، وأن المساجد والمستشفيات والمدارس تُقصف بلا رحمة، ولا يتحدث أحد: فأين حقوق الإنسان؟

وأخيراً، يعطينا التاريخ بعض الأدلة عن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، التي أدّعي أنها تدور منذ عام 1948. يأتي الدليل الأول من صلاح الدين الأيوبي، الذي استعاد القدس. نعلم أن صلاح الدين عاش في سلام مع مملكة بيت المقدس لوقت طويل بعد أتابكة الموصل، برغم ضغوط الشعوب المسلمة والخليفة في ذلك الوقت، وأبرم عديداً من الاتفاقيات معهم. وكان السبب في غض صلاح الدين الطرف عن القمع الصليبي لبعض الوقت، عن طريق إقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية، هو تحضيراته لضربة ساحقة. ومن خلال التحرك في الوقت المناسب، اكتسب صلاح الدين نتيجة لذلك لقب محرر الأقصى، وهو لقب لا يزال يحتفظ به وبتقدير كبير حتى يومنا هذا. باختصار؛ الانتظار لا يعني القبول على الدوام.

الدليل الثاني يأتي من الإمام ابن الخشاب، الذي ذكره أمين معلوف في كتابه "الحروب الصليبية كما رآها العرب"، الذي يضرب كذلك مثالاً لنا. بدأ ابن الخشاب، الذي كان إماماً في بغداد، بمفرده حركة مقاومة مدنية ضد الغزوات الصليبية، وهذه الحركة، التي بدأت في بغداد، انتشرت حول المنطقة وصارت أولى الخطوات التي قادت العالم الإسلامي لتحقيق الانتصار على الصليبيين. هذه الخطوة قادت لاحقاً صلاح الدين إلى تحرير القدس. باختصار، استطاع رجل واحد حشد العالم الإسلامي بحراك مدني بدأه. ما نحتاج إليه اليوم، نحن العالم الإسلامي، أن نلتفت إلى أنفسنا، وإلى جوهرنا، بدلاً من النظر إلى الغرب طلباً للمساعدة، وهو ما لن يحدث أبداً، وأن نتخلص من أن نكون، مثلما يقول معلوف عن مجتمع الشرق الأوسط: "أناس يشعرون بالأسف على كل شيء، ولكنهم لا يفعلون شيئاً".

عن الكاتب

أحمد إشجان

كاتب وباحث تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس