د. سمير صالحة - العين الإخبارية

فشلت أحزاب المعارضة قبل 8 أشهر في إلحاق الهزيمة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهي موحدة أمام "الطاولة السداسية" ومدعومة من قبل "حزب الشعوب الديمقراطية" من خارج التكتل.

 فعلى ماذا تراهن للاحتفاظ ببلدية إسطنبول يوم 31 مارس/آذار المقبل في معركة الانتخابات المحلية وهي تتوجه مفككة مشرذمة إلى الصناديق؟

بدأ العد العكسي للانتخابات المحلية التركية في مدينة إسطنبول بعدما أعلنت الأحزاب الكبرى في الحكم والمعارضة عن أسماء مرشحيها لمنصب رئاسة بلدية المدينة. الحزب الحاكم رشح مراد كوروم وحزب الشعب الجمهوري المعارض قرر إعادة ترشيح أكرم إمام أوغلو.

على المعارضة التركية أن تجترح المعجزات هذه المرة إذا ما أرادت الاحتفاظ برئاسة بلدية إسطنبول في مواجهة تحالف "الجمهور" الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم. فهدف أردوغان وحزبه هو استرداد بلدية إسطنبول من حزب الشعب بعد شهرين ونصف الشهر، والمعارضة التركية المبعثرة والمشلولة توفر لهما كل التسهيلات والدعم المطلوب لتمكينهما من الوصول إلى ما يريدان كما يقول الإعلامي المعارض رحمي طوران.

تعكس الشعارات المرفوعة وما تردده القيادات السياسية وطريقة تعامل وسائل الإعلام مع الحدث، ما ينتظر المدينة من أجواء تصعيد وشحن وتعبئة في معركة مفصلية بالنسبة للحكم والمعارضة على السواء؛ الأول يريد إنزال الضربة القاضية من خلال استرداد ما فقده في انتخابات عام 2019 خصوصاً في المدن التركية الكبرى، والثاني يريد أن يبقى في المشهد السياسي من خلال الاحتفاظ بهذه المدن بعد هزيمة برلمانية ورئاسية مدوية في مايو/أيار الماضي.

تقول آخر استطلاعات الرأي التركية المنشورة من قبل إحدى أبرز المؤسسات التي نجحت في أن تكون الأقرب إلى توقعات نتائج الانتخابات الأخيرة في مايو، إن الوضعية كما هي اليوم متقاربة، وإن المواجهة ستكون شديدة وصعبة بالنسبة لمرشحي الطرفين إذا ما بقيت الأرقام على ما هي عليه، وإن التحالفات هي التي ستحسم المعركة حتى ولو كان مرشح المعارضة إمام أوغلو يتقدم على منافسه كوروم بفارق 3 نقاط، 36% للأول مقابل 33% للثاني.

قرار أردوغان هذه المرة يختلف عن قراره قبل 5 سنوات عندما رشح بن علي يلدريم ليقود المعركة في مواجهة إمام أوغلو فهزمه الأخير في الجولة الثانية من المواجهة بفارق 800 ألف صوت بعدما كان قد اعترض على نتيجة الجولة الأولى التي انتهت بفارق 15 ألف صوت.

سيكون عامل الأجواء السياسية والاقتصادية والأمنية داخل تركيا وخارجها حاضراً بقوة للتأثير في رسم معالم النتيجة وتحديد خيار الناخب التركي حتى لو كانت مجرد انتخابات بلدية. وعادي جداً أن تحظى مدينة إسطنبول التركية بكل هذا الاهتمام، فنحن نتحدث عن مدينة يسكنها نحو 16 مليون نسمة وتمثل بثقلها الاقتصادي والاجتماعي والجغرافي مفتاح التوازنات في البلاد، وفيها خُمس الخزان الانتخابي في البلاد، وتتخطى ميزانيتها ميزانية العديد من الوزارات، وقال عنها نابليون بونابرت يوماً: "لو كان العالم دولة واحدة لكانت إسطنبول عاصمتها".

أردوغان وحزبه يستفيدان من الفوز الكاسح في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومن المتغيرات الحزبية والسياسية الحاصلة في صفوف المعارضة ومن الوضعية السياسية القائمة اليوم في البلاد. حليفه دولت بهشلي زعيم الحركة القومية لن يخوض المعركة مستقلاً وسيدعم مرشح حزب العدالة، فهو لا يقل حماساً عن أردوغان لاسترداد بلدية إسطنبول "سننهي فترة 5 سنوات من الاستراحة وإهمال متطلبات إسطنبول، ولن نسمح لهم أن يسلبوا المدينة 5 سنوات أخرى"، كما يردد.

بالمقابل، يعول أكرم إمام أوغلو في تفاؤله على أصوات اليسار والأكراد والعلمانيين بالدرجة الأولى، وعلى ما يعلن أنه أنجزه من مشاريع خدماتية. لكنه يعول أيضاً على فريق عمله الذي يستخدم بنجاح مواقع التواصل والحملات الدعائية والإعلام. هو يريد أيضاً أن يلعب مرة أخرى ورقة المغدورية وتحميل حزب العدالة الحاكم مسؤولية عرقلة المشاريع التي كان ينوي تنفيذها في المدينة. لكنه يعرف تماماً أن ارتدادات هزيمته بعد أسابيع ستكون مكلفة على مستقبله الحزبي والسياسي، وهو يستعد ليكون مرشح الحزب والمعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد 5 سنوات. انتخابات ما بعد أسابيع ستكون إذا بمثابة امتحان للرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل أيضا، الذي تولى المنصب، خلفاً لكمال كليجدار أوغلو قبل شهرين في عملية انقلاب حزبي سريع ومفاجئ.

يردد إمام أوغلو أن انتخابات رئاسة البلدية "ستوجه رسالة إلى حكومة أردوغان بشأن رغبة الشعب التركي في الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون"، لكنه يردد أيضا أن "الانتخابات هذه المرة ستكون أصعب من الانتخابات السابقة". هو يعرف أنه فقد فرصة أحزاب الطاولة السداسية خصوصاً بعدما أعلن حزب "إيي" اليميني القومي الذي تقوده ميرال أكشينار الأقوى بين الأحزاب الصغيرة أنه لن يقف إلى جانبه هذه المرة. من الصعب أن تعطيه بقية الأحزاب الصغيرة ما يريد حتى ولو دعمته أمام الصناديق.

رهانه هو على "حزب الشعوب الديمقراطية" المعروف باسمه الجديد "مساواة وديمقراطية الشعوب" خزان الصوت الكردي، وضرورة التفاهم معه في إطار صفقات سياسية وحزبية لسد الفراغ الذي يحتاجه، رغم أنه يعرف مسبقا أن ذلك لن يكفيه في مدينة مثل إسطنبول وهو سيحتاج إلى أصوات اليمين المتدين في صفوف حزب السعادة الإسلامي والحزب الديمقراطي الليبرالي.

نقاط قوة كوروم هي نفسها نقاط ضعف إمام أوغلو. يقول كوروم إن مهمته واضحة ومحددة "إنقاذ إسطنبول من التخبط وحالة اللااستقرار الخدماتي والاجتماعي التي تعيشها منذ خمس سنوات". وإمام أوغلو يقول إن هدفه هو عدم تسليم المدينة للقرارات السياسية والحزبية التي ستطيح بخصوصيتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية.

تحالف الجمهور إلى جانب الأول بكل ثقله حتى ولو "تمرد" فاتح أربكان على التكتل وتشدد في مطالب انتخابية قبل حسم موقفه. أما إمام أوغلو فهو يعول على أصوات حزب الشعب الجمهوري ومن سيقف بجانبه من أنصار حزب الشعوب الديمقراطية، بعدما تفكك تحالف الأمة المعارض.

كوروم سياسي وتكنوقراط ومهندس معماري ولد عام 1976 في العاصمة التركية أنقرة. وبعد إنهائه للثانوية هناك، تخرج عام 1999 في كلية الهندسة والعمارة بجامعة قونيا. اختاره أردوغان وزيرا للبيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي.

لكنه قبل ذلك تولى مهام المدير العام لمؤسسة الإسكان العقارية الحكومية "توكي"، التي قدمت امتحانا ناجحا في مجال الإعمار خلال زلزال جنوب تركيا الأخير، وكان المشرف المباشر على أعمال الإنقاذ وإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة إلى أن تم انتخابه نائبا عن حزب العدالة في مايو/أيار 2023.

أبرز نقاط ضعف كوروم هي أنه ليس ابن إسطنبول ولم يعش فيها طويلاً. فهل يعوض خسارته بعدم نشأته في المدينة ومعرفتها جيداً، أنه ابن مدينة قونيا المحافظة التي قد توفر له ما سيفقده من أصوات عبر دعم قواعد شعبية إسلامية محسوبة على المعارضة مثل السعادة والمستقبل والتقدم؟

هزم أردوغان نحو 20 حزبا سياسيا و20 قائدا لهذه الأحزاب خلال أكثر من 45 عاما من حياته السياسية. نجح في توقعاته قبل أشهر حول مصير الطاولة السداسية وإلى أين ستنتهي وما الذي سيحل بقياداتها خصوصا كمال كليجدار أوغلو، فهل يكون له ما يريد مجدداً في مواجهة قوى المعارضة في إسطنبول؟

شعار حزب العدالة في الانتخابات المقبلة، هو "العدالة والتنمية مجددًا.. إسطنبول من جديد". الفرصة مواتية والظروف مغايرة تماماً لما كانت عليه قبل سنوات.

أمام أردوغان وحزبه فرصة لا تعوض اليوم لمعالجة "الغصة السياسية" التي عانيا منها طيلة 5 أعوام وهي خسارة إسطنبول وأنقرة لصالح حزب الشعب الجمهوري. بقاء الأمور على ما هي عليه حتى يوم الانتخابات يضمن لكوروم فوزه بسهولة. لكننا نتحدث عن تركيا التي كان يردد الرئيس الراحل سليمان دميرال أن 24 ساعة هي فترة زمنية طويلة فيها.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس