محمد زاهد جول - خاص ترك برس

شهد يوم الثلاثاء 30 حزيران/ يونيو 2015 حدثين مهمين في التاريخ التركي المعاصر ، الأول هو انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب التركي لانتخاب رئيس له بعد انتخابات غير معتادة على الشعب التركي منذ ثلاثة عشر عاماً على أقل تقدير، والحدث الثاني توجيه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان  كلمة ترحيبية وتوجيهية وتوصيفية لنواب الشعب، على مأدبة إفطار في القصر الجمهوري الجديد، وقد حضرت الأغلبية العظمى منهم، فقد حضر 427 من أصل 550 نائب، وأهمية الحدث الثاني وخطاب الرئيس أنها جاءت بعد فشل النواب من انتخاب رئيس للمجلس في الجولة الأولى والثانية، أي أن رئيس الجمهورية وجه كلمته لنواب الشعب وهو يراقب ما يجري ويتفهمه ويتوقعه، ولتكون كلمته موجهة لهم أولاً، ومن خلالهم رسالة إلى الشعب التركي الذي انتخبهم، وأوكل إليهم تمثيله في السلطة التشريعية أولاً، وفي السلطة التنفيذية ثانياً، بحكم قوانين النظام السياسي البرلماني، الذي يمنح رئيس الحكومة المنبثقة من البرلمان صلاحيات قيادة الدولة الحقيقية، بينما تكون صلاحيات رئيس الجمهورية شرفية وفخرية، في الدول التي تطبق نظام الحكم البرلماني، باستثناء الدول التي يعطي الدستور صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية لأسباب خاصة، كما فعل الانقلاب العسكري في تركيا عام 1982، حيث تم تفصيل صلاحيات رئيس الجمهورية لتناسب رئيس الانقلاب كنعان إيفرين في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين بقيت صلاحيات رئيس الجمهورية التركية فخرية وتنفيذية في بعض القضايا والأوقات.

عندما خاطب الرئيس أردوغان ضيوفه من نواب الشعب التركي كان يعلم انهم قد فرغوا ذلك اليوم من الجولتين الأولى والثانية لانتخاب رئيس للبرلمان، ولكن دون أن يحسم ذلك الانتخاب لصالح احد، حيث كانت الجولة الأولى والثانية تتطلب نسبة عالية هي ثلثي أعضاء مجلس النواب على رئيس فائز، وحيث ان انتخابات 7 حزيران السابقة لم تعطي أغلبية برلمانية لأحد الأحزاب الأربعة، وبالتالي فإن البرلمان التركي كان مضطراً لعقد جلسته الثالثة في اليوم التالي وهو الأول من تموز / يوليو 2015 لانتخاب هذا الرئيس من الجولة الثالثة أو الرابعة والأخيرة.

إن الأحزاب السياسية الأربعة التي دخلت البرلمان التركي من بين عشرين حزباً سياسياً دخلوا الانتخابات البرلمانية يوم الثلاثاء 7 حزيران / يونيو 2015، دخلت وهي في حالة تنافس مع بعضها قبل الانتخابات وبعدها، كما ظهر في جولات انتخاب رئيس البرلمان الأربعة، وقبل أن يتمكن النواب من انتخاب رئيسهم في الجولة الرابعة وانتخاب مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز وجه الرئيس أردوغان كلمته التي تناولت مستقبل هذا البرلمان، الذي واجه أولى الصعوبات في جولات انتخابه لرئيسه، ومن حكمة أردوغان أنه ادرك هذه الصعوبات من اليوم الأول  الذي خرج فيه هذا البرلمان الجديد، وقد تأكد من ذلك بعد الجولتين الأولى والثانية، وهو الرئيس الذي خاض في حياته كل غمار الانتخابات السياسية التركية وتحدياتها، فالانتخابات البلدية المحلية هي التي جعلته رئيساً لبلدية إسطنبول عام 1985، والانتخابات البرلمانية هي التي جعلت منه عضواً في البرلمان التركي عام 2003، و2006 و2011 ، وجعلت منه رئيسا للوزراء لثلاث دورات انتخابية وحكومية قلما حاز عليها رئيس وزراء تركي في التاريخ التركي المعاصر، واخيراً خاض أردوغان الانتخابات الرئاسية للجمهورية التركية عام 2014 ، في انتخابات ميزته عن كل رؤساء تركيا السابقين، بأنه الرئيس الجمهوري الأول الذي ينتخبه الشعب التركي مباشرة، وهذا التاريخ السياسي لرئيس الجمهورية يخوله ان يوجه دفة الدولة على كافة مستوياتها التشريعية والتنفيذية والرئاسية، فإن لم يكن كذلك فإن كلماته أمام اعضاء البرلمان السابق واللاحق ومن حضر فيها دلالة على أهمية المرحلة التي تمر بها تركيا، وعلى المسؤوليات التي ينبغي ان يتوجه إليها نواب الشعب التركي في الظروف الراهنة، وبالأخص بعد البناء والنهضة والتقدم والرقي والازدهار الذي صنعه هذا الرئيس لهذا الشعب ونوابه وشبابه ومستقبله، وقد يمكن وصف هذه الكلمة بأنها خارطة طريق للمرحلة القادمة، وجد الرئيس أردوغان ان نواب الشعب التركي بحاجة إلى سماعها من رجل يملك هذه الخبرة، وليس بالضرورة لأنه يملك هذا المنصب الرئاسي فقط.

تحدث الرئيس أردوغان عن بعض الحقائق التي تقود المرحلة المقبلة، والتي نصفها بخارطة طريق لنواب الشعب التركي في الظروف الراهنة، ومنها:

1 ـــ إن الشعب التركي أنهى فترة حكم الحزب الواحد بنتيجة انتخابات 7 حزيران/ يونيو.

2 ـــ إن علينا احترام هذه الإرادة.

3 ـ إن علينا الاستمرار بطريقنا وفقا لهذا الإرادة.

4 ـــ إن لدى الرئيس أردوغان قناعة بأن حكومة الأقلية لن تكون حلا لمشاكل تركيا.

5 ـــ الرجاء بأن تمر هذه المرحلة بأفضل شكل.

6 ـــ وعد أردوغان للنواب أن يقوم في هذا الإطار بأداء المسؤوليات الملقاة على عاتقه بصفته رئيساً للجمهورية، وأنه سوف يواصل القيام بذلك.

7 ـــ إن الشعب التركي اختارهم للوصول بالبلاد إلى بر الأمان في مثل هكذا فترات.

8 ـــ وقال أردوغان سنؤمن من خلال الدستور وإرادة الشعب التركي، على تجاوز هذه المرحلة بدون أي مشاكل، من خلال تشكيل حكومة ائتلافية، أو عقد انتخابات مبكرة في حال فشل تلك المساع.

9 ـــ تقبل نتائج اليوم الأول لانتخاب رئيس البرلمان بإيجابية، قال أردوغان، "نتائج التصويت في اليوم الأول كانت كما هي متوقع لها، وأتمنى أن يتم غدا اختيار رئيس البرلمان.

9 ـــ تأكيد الرئيس التركي على ضرورة قيام الجميع بمسؤولياته في هذه المرحلة.

10 ــ يجب الاستفادة من تجارب نوابنا السابقين في البرلمان.

هذه الأفكار التي يتوجه بها رئيس الجمهورية أردوغان لنواب الشعب تبعث على الأريحية والطمأنينة، فهي ترسم معالم مرحلة قادمة، قائمة على التفاهم الديمقراطي، بقبول الإرادة الشعبية التي أزاحت مرحلة حكم الحزب الواحد، ولكن المسيرة الناجحة ينبغي ان تتواصل، وفي ذلك إشارة على تفهم أردوغان أن نتائج الانتخابات ليست دليلاً على معاقبة الشعب لحكومة حزب العدالة والتنمية او فشلها، وإنما لاعتبارات أخرى داخلية وخارجية، وان حكومة أقلية يحكم بها حزب العدالة والتنمية وحده بإسناد نواب مستقلين أو حزبيين يغردون خارج إرادة احزابهم ليست كفيلة بتأمين حالة الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، ولذلك لا بد من حكومة ائتلافية بين الأحزاب التركية التي تتحمل مسؤولية المرحلة وتحدياتها، فالشعب قد اختار هؤلاء النواب للأخذ به إلى بر الأمان وليس للمناكفات ولا تخريب البلاد، ولذلك لا بد من قبول التأييد والانتقاد القانونيين بكل رحابة صدر، على أن تكون من اجل الوطن والمصلحة العامة، وليس من اجل المديح والتجريح ولا تناول شخص الرئيس ولا غيره بالتعظيم الجانح ولا بالتشهير الفاضح، فالرئيس تحت المسؤولية القانونية والدستورية، وليس عرضة للأخبار الكاذبة ولا الوشايات الخاطئة، حماية للدولة واحترام شعبها الذي انتخب رئيس جمهوريته كما انتخب نوابه بإرادته الحرة، وفي انتخابات ديمقراطية مشرفة. 

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس