محسن كيزيل كايا - صحيفة خبر ترك - ترجمة وتحرير ترك برس

يستمر مسلسل التفجيرات المظلم الذي بدأ بتفجيرات أضنة في شهر أيار/ مايو الماضي، واستمر في نفس الشهر في ديار بكر، ووصل نحو الذروة في شهر تموز/ يوليو من خلال مجزرة سوروج، والآن تستمر هذه التفجيرات وهذه المرة في أنقرة وقد تسببت بمقتل العشرات.

كلنا نعلم أننا نعيش وسط إقليم ملتهب، تحيط فيه النيران بنا من كل جانب، ومع ذلك، ما زلنا نحافظ على السلم الأهلي ونجري الانتخابات، لتكون تركيا الدولة الوحيدة تقريبا في الشرق الأوسط التي تمارس الديمقراطية وتجري الانتخابات بصورة نزيهة وهادئة وتخرج نتائجها خلال ساعات.

لا شك أنّ تركيا تعيش العديد من المشاكل، الديمقراطية فيها غير تامة، وهناك نقص في الخبز، وهناك بطالة، والباحثون عن العمل كُثر، لكن الدولة التركية بمختلف فئاتها وأطيافها مستقرة، وتسعى جاهدة لحل إي إشكاليات طائفية بعيدا عن التمييز وعلى قاعدة المساواة التامة.

نبحث عن الطمأنينة وعن الاستقرار، وقد نجحنا في قطع مسافة جيدة في هذه المواضيع خلال العشر سنوات الماضية، وانتقلنا من التفرد في إدارة الدولة إلى حُكم الأكثرية، وقد رأينا كيف أنّ الأغلبية قادت تركيا إلى الأمام، وأدركنا منذ سنوات أنّ مسألة اختلاف العقائد المختلفة لا يخص الدولة.

كان هناك فرق واسع بين الفقراء والأغنياء في تركيا، وكنا لا نستطيع استغلال مواردنا العديدة ولا نحسن استخدامها، لكننا ولله الحمد استطعنا خلال السنوات الماضية التقدم في هذه المواضيع أيضا.

ما بقي من الماضي هو مشكلة واحدة، وهي قضية "السلم الأهلي"، ولهذا انطلقت الدولة التركية لمعالجة هذا الموضوع أيضا، ومع اقترابنا من نهاية هذا الملف، وجدنا أنفسنا أننا نناقشه في وسط معمعة وفوضى كبيرة في المنطقة، ومع أنّ نيران هذه الفوضى لم تصلنا، لكننا نشعر بحرارة لهيبها، وقد لجأ مئات الآلاف من الناس الهاربين من تلك النيران المشتعلة، وكأن همومنا لا تكفي حتى يتم إضافة هم هؤلاء اللاجئين فوق همومنا.

حرقوا في البداية جارتنا بغداد، مركز العلم والمعرفة والخيرات، لتصبح بغداد موطنا للبوم، بعدما كانت مدينة الألف ليلة وليلة. ثم مدوا يدهم نحو دمشق، دمشق التي اشتهرت بحلوياتها، حولوها خلال فترة قصيرة إلى حُطام.

لم يبق في المنطقة مدينة قائمة وصامدة سوى اسطنبول، وأنقرة، ولن يستطيعوا مساواة وضع اسطنبول وأنقرة مع دمشق وبغداد إلى بعد أن يوصلوا النيران إليهما، وإذا ما حصل ذلك، لن يصبح الكردي كرديا، ولن يكون العلوي علويا، ولن يستطيع أحد تغيير الدستور لنصبح دولة أكثر ديمقراطية، ولن يستطيع أحد التفاوض مع أوجلان من أجل إنهاء القضية الكردية المستمرة منذ مئة عام، ولن يستطيع أحد الخروج من الشأن الداخلي للنظر إلى ما يجري حوله، ولن نستطيع حينها مواجهة تكبر أوروبا وإسرائيل، وسنبقى كما كنا في الماضي، ولن نبتعد عن طوق الاستعمار والاستيلاء والتبعية.

لكن إذا قلنا "لا" لكل هذه الأمور، حينها نستطيع الصمود والوقوف على قدمينا، لأنّ الرسالة التي يريدون إيصالها لنا من خلال تفجيرات أنقرة مفادها "سنحول اسطنبول وأنقرة إلى دمشق وبغداد"، ولهذا فإنّ من يقف خلف التفجير في سوروج هو نفسه يقف خلف تفجيرات أنقرة، وقد فجرت أجهزة الاستخبارات التابعة للدول المعادية لتركيا قنابل في أنقرة، كتلك القنابل التي فجروها في سوروج.

وكان ضحية هذه التفجيرات كل الشعب التركي، يمينه ويساره، أكراده وأتراكه وعربه، اشتراكيه وقوميه، كلنا سقطنا ضحايا لهذا التفجير الارهابي.

نملك القرار بيدنا من أجل عدم السماح لهم بتحويل اسطنبول وأنقرة إلى بغداد ودمشق.

عن الكاتب

محسن كيزيل كايا

كاتب في صحيفة خبر ترك


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس