أنور عبد الله الرواحنة - خاص ترك برس

قبل عدة سنوات، ظهرت بعض "الفرضيات" التي تتوقع صعود تركيا كـ "قوة عظمى" مما سيؤهلها إلى تشكيل "اتحاد إسلامي" تحت قيادتها مع حلول عام 2020 (تقريبًا)، مما أثار "قلق" أطراف إقليمية ودولية فاعلة بأن تصبح "أمل المسلمين" والذي من شأنه إعادة "أمجاد الخلافة العثمانية"، مما جعلها، ويجعلها، هدفًا لـ "مؤامرات خارجية" و"أعمال إرهابية" لزعزعة إستقرارها، من أجل منعها من أن تصبح "قوة عظمى".

من أجل ذلك، ستحقق هذه المقالة في تلك "الفرضيات" من خلال الإجابة على سؤالين رئيسين هما: أولًا، هل كانت هناك "مؤامرة" لاستنزاف تركيا لمنعها من أن تصبح "قوة عظمى"؟ وثانيًا، ماذا ينتظر تركيا في المستقبل القريب و/أو المتوسط..؟

هل كانت هناك "مؤامرة" لإستنزاف تركيا لمنعها من أن تصبح "قوة عظمى"..؟

منذ ظهور تلك "الفرضيات"، بدأت الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة تغير في  طبيعة علاقاتها مع تركيا نسبيًا، بالتحديد بعد دورها الفاعل في "ثورات الربيع العربي" في شكل عام و"الثورة السورية" بشكل خاص.

على سبيل المثال، لم تكن صدفة ان تكثف أطراف غربية فاعلة "تآمرها" على تركيا "الصاعدة اقتصاديًا" بينما يعاني الغرب عمومًا من "أزمة إقتصادية" وصل الأمر ببعض تلك الدول إلى "شبه الإفلاس".

ولم تكن صدفة أيضًا أن يقوم بابا الكنيسة الكاثوليكية، لما يتمتع به من تأثير على المسيحين، بـ "تشويه" صورة الخلافة العثمانية متجاوزًا بذلك الكثير من الحقائق حول بعض الاحداث التاريخية التي وقعت ضد الأرمن إبان فترة الخلافة العثمانية بينما يتناسى الأمن والأمان الذي منحته الخلافة العثمانية لمن فر من ظلم واستبداد الكنيسة الكاثوليكية ومحاكم التفتيش الكاثوليكية.

ولم تكن صدفة أيضًا ان تقع بعض الأعمال الإرهابية عند كل إستحقاق إنتخابي وديمقراطي في تركيا.

ولم تكن صدفة أيضًا أن يقوم إعلام غربي وعربي بـ "تمجيد" ألمانيا التي أنقذت "بضعة الاف فقط" من اللاجئين في حين يتم الطلب من تركيا بتقديم المزيد من التعاون بالرغم من استقبالها ما يزيد عن مليوني لاجئ سوري، وغيرهم من اللاجئين من جنسيات أخرى، ناهيك بالطبع عن تسليط الأضواء على المستشارة أنجيلا ميركل واصفة إياها بالقديسة أو "الأم العطوفة" في حين يتم تسليط الأضواء على الرئيس أردوغان واصفة إياه بـ "الديكتاتور". هذا "التعامل" مع تركيا لم يتغير نسبيًا إلا بعد ما رأته أوروبا من "بروفة تسونامي" وصول اللاجئين إلى عقر دارها فأصبحت "ترجو" تعاون تركيا لإنقاذها، لما لتدفق اللاجئين من أثر بعيد المدى قد يعمل على "استنزاف" أوروبا على مستويات عديدة (سياسيًا وماليًا واقتصاديًا وتنمويًا واجتماعيًا وثقافيًا وديمغرافيًا وأمنيًا واستخباريًا).

ولم تكن صدفة أيضًا أن تقوم وسائل إعلام غربية بـ "تزوير" الحقائق حول الأعمال الإرهابية التي تتعرض لها تركيا و"ترويج" تلك الوسائل لرؤية تنظيمات إرهابية تعبث في أمن تركيا واستقرارها.

ولم تكن صدفة أيضًا أن يظهر "التنظيم أو الهيكل الموازي" (أو "الدولة الموازية") في السنين القليلة الماضية ومحاولاته المستمرة في تقويض أركان الدولة التركية وتهميش إنجازاتها، الذي أثر نسبيًا على أركان الدولة التركية معيقًا إياها من تحقيق هدفها بأن تصبح "قوة عظمى" قبل ذلك بكثير.

ولم تكن صدفة أيضًا ان تقوم بعض الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، بتزويد حزب الشعوب الديمقراطي بـ "المال السياسي" من أجل "تحجيم" أردوغان وإسقاط حكومة العدالة والتنمية في إنتخابات حزيران 2015.

إضافة إلى ذلك، طبيعة الأعمال الإرهابية، "تزامنها"، "سياقها السياسي والديمغرافي"، "سياقها المكاني والزماني"، "توزيعها الأفقي والعمودي" و "تشابه بصماتها" كلها مسائل تدور حولها الكثير من إشارات الإستفهام.

إلى حد ملحوظ، تلك الأعمال الإرهابية أكبر من مقدرة طرف داخلي واحد أو مجموعة أطراف داخلية، بل تتطلب دعم استخباري لوجستي أو تدريبي من أطراف استخبارية إقليمية ودولية فاعلة ذو خبرة وحرفية عالية، وهو الأمر الذي ألمحت له القيادة السياسية التركية في أكثر من مناسبة حول "دور خارجي محتمل" يقف وراء تلك الأعمال الإرهابية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خاصة من قبل روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، بلجيكا، أطراف كردية من دول الجوار (العراق وسوريا)، تنظيم الدولة الإسلامية ونظام بشار الأسد.

وعليه، يمكن القول إن من يقف وراء تلك الأحداث والأعمال الإرهابية هي الأطراف الإقليمية والدولية وأطراف تركية داخلية التي ستتضرر مصالحها في حالة صعود تركيا كـ "قوة عظمى".

ماذا ينتظر تركيا في المستقبل القريب و/أو المتوسط..؟

لا شك أن تركيا تمر بمرحلة "مخاض عصيبة" التي تسبق "ولادة" الأمم العظيمة، والتي قد تستمر إلى فترة الانتخابات القادمة أو إلى ما بعد ذلك في حالة فوز حزب العدالة والتنمية تمكنه من تشكيل الحكومة التركية منفردًا دون الحاجة لأي تحالفات.

ولكن، في جميع الأحوال تقريبًا، "مؤامرات" أو "مخططات" تلك الأطراف الإقليمية والدولية ستسمر في المستقبل القريب، صعودًا وانخفاضًا، بالتعاون مع بعض الأطراف التركية الداخلية، بالتحديد من قبل "تحالفي الاحتواء والإسقاط"، بهدف استنزاف تركيا سياسيًا وماليًا واقتصاديًا وإعلاميًا وأمنيًا واستخباريًا وعسكريًا لمنعها من أن تصبح "قوة عظمى"، وبالتالي قطع الطريق على عودة "أمجاد الخلافة العثمانية".

وعليه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ستسعى تلك الأطراف أيضًا إلى إستنزاف تركيا من خلال إحدى "نماذج الاستنزاف"، التي سبق وأن تم تطبيقها سابقًا في الشرق الأوسط، والتي مهدت فيما بعد لـ "إسقاط" رؤساء و"إسقاط" أنظمة حكم و"إسقاط" دول وتفتيتها، منها على سبيل المثال:

أولًا، "نموذج" استنزاف العراق ومحاصرته على كافة المستويات تمهيدًا لإسقاط صدام حسين ومن إسقاط العراق وتقسيمه عرقيًا ومذهبيًا.

ثانيًا، "نموذج" التفجيرات المتسلسلة في في لبنان في أعقاب إغتيال توفيق الحريري تمهيدًا لإشعال حرب أهلية بين الطوائف والمذاهب المتخاصمة.

ثالثًا، "نموذج" إسقاط الرئيس محمد مرسي واستنزافه بالمظاهرات والإعتصامات بالتزامن مع أعمال تخريبية ضد مقرات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة في مصر، الذي أدى في النهاية إلى تدخل الجيش وإسقاط الرئيس محمد مرسي بدعم أطراف إقليمية ودولية فاعلة.

رابعًا، "نموذج" أحداث حدائق جيزي بالتزامن مع الاعتداء على بعض مقرات حزب العدالة والتنمية والتشهير بالرئيس أردوغان ووصفه بـ "الديكتاتور" ووصف جهاز الشرطة التركية بــ "جهاز أرهابي" وذلك لزعزعة إستقرار تركيا تمهيدًا للمطالبة بتدخل الجيش التركي ومن ثم إسقاط الرئيس طيب رجب أردوغان، (علمًا أن "نموذج" أحداث حديقة جيزي و"نموذج" إسقاط الرئيس محمد مرسي في مصر كانا نسبيًا متشابهان ومتزامنان ويحملان "نفس البصمة").

خامسًا، "نموذج" التفجيرات الأخيرة في تركيا قبيل الاستحقاقات الانتخابية في شهري حزيران/ يونيو وتشرين أول/ أكتوبر 2015، الذي يشير إلى تورط أطراف خارجية فيها، بهدف زعزعة إستقرار تركيا وإعاقتها من ان تمارس دور فاعل في سوريا والمنطقة، وبالتالي تشكيك المواطن التركي في مقدرة قياداته على إدارة المرحلة.

ولكن، في جميع الأحوال تقريبًا، ليس بالضرورة أن يتم تطبيق إحدى النماذج أعلاه "من ألفه إلى يائه"، فلكل وضع نموذجه الخاص به. كما أنه ليس بالضرورة أن يتم إستخدام "كل" التكتيكات الخاصة بإحدى النماذج أعلاه بل قد يتم استخدام تكتيك واحد أو أكثر من كل نموذج ليتم تجميعها في "نموذج جديد مركب" يتناسب مع الحالة التركية.

الخلاصة، على الأرجح، في ظل تقدم مستقر نسبيًا للمتغيرات المستقلة والتابعة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، ستضطر الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في المستقبل القريب للقبول بحقيقة مفادها صعود "قوة عظمى" جديدة اسمها "تركيا".

ولكن، من أجل بلوغ ذلك الهدف، أيضًا على تركيا أن تحسن إدارة "مرحلة الخروج من عنق الزجاجة"، لا سيما إدارة المخرجات الناجمة عن النزاع السوري، بما يجعلها "بيضة القبان" أو "محبوبة الكل" التي تسعى الأطراف الإقليمية والدولية لنيل رضاها والتغزل بها، (مكره أخاك لا بطل)، وهذا من شأنه إعادة "أمجاد الخلافة العثمانية"، (وشتان بين "إعادة الخلافة العثمانية" و"إعادة أمجاد الخلافة العثمانية")، وهذا ما ستجيب عليه الأيام تأكيدًا لقول العزيز الحكيم "وتلك الأيام نداولها بين الناس" (شاء من شاء وأبى من أبى)...!  والله أعلم

 

عن الكاتب

أنور عبد الله الرواحنة

باحث مختص في إدارة النزاعات ورسم السياسات


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس