زهراء كرمان - تركيا بوست

إن من أهم الأسباب التي ساعدت حزب العدالة والتنمية على الفوز في انتخابات الأول من نوفمبر، هو أن الحزب أخذ العِبر من الوصايا التي أوصاه بها الشعب التركي، وتقبّل الانتقادات الموجهة إليه وإلى أفراده. واتبع الحزب منهجا صارما ينص على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبها في حملته الانتخابية السابقة.

 فقد أشارت توقعات المحللين السياسيين، ومن بينهم أعضاء من حزب العدالة والتنمية، قُبيل الانتخابات التركية، التي جرت في الأول من الشهر الحالي، نوفمبر/تشرين الثاني، إلى أن الحزب سيحصل على نسبة تصويت منخفضة أو مرتفعة، قليلا، عن النسبة الأخيرة التي حصل عليها في انتخابات السابع من حزيران بنسبة اثنين أو ثلاثة بالمئة.

وكان من المتوقع توجّه الناخبين الراغبين بالاستقرار للإدلاء  بأصواتهم لصالح حزب العدالة والتنمية ولكن لم يتوقع أحد منهم، ومن بينهم رئيس الوزراء “داود أوغلو” ارتفاع النسبة في الانتخابات بمقدار 10 بالمئة.

ولكن لم يكن من بين هؤلاء الأشخاص، رئيس الجمهورية التركية “رجب طيب أردوغان”، الذي سعى بشتى الوسائل إلى تشكيل حكومة توافق، والذي عبّر عن رضاه، فرغم عدم قدرة الأحزاب على تشكيل حكومة إلا أن العملية الديمقراطية  تمّت على أكمل وجه.

وقد وجه رئيس الجمهورية التركية أردوغان الشعب التركي لإجراء انتخابات مبكّرة، وعبّر عن موقفه بكونه مؤمن بقدرة حزب العدالة والتنمية على تشكيل حكومة منفردة في الانتخابات القادمة.

ومن العوامل الرئيسية التي أدت لصعود العدالة والتنمية، في انتخابات نوفمبر، عدم ظهور أردوغان على الساحة الجماهيرية، في الفترة الدعائية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات نوفمبر، وترك الساحة كاملة لزعيم الحزب داود أوغلو. وكان عدم التطرّق إلى النظام الرئاسي في الحملة الانتخابية عاملا مساعدا. وأدراك الشعب التركي عدم قدرتهم على تشكيل حكومة خالية من حزب العدالة والتنمية. وتجدد الإرهاب ومحاولاته لجر تركيا إلى مستنقعه أيضا. ورغبة نسبة كبيرة من الشعب في متابعة المصالحة بين الحكومة التركية والشعب الكردي، كل هذه العوامل ساهمت في ارتفاع نسبة التصويت للحزب.

ومن العوامل التي ساعدت حزب العدالة والتنمية على رفع نسبة أصواته في صناديق الاقتراع وجذب الناخبين هي:

في البداية وجّه الشعب التركي من خلال صناديق الاقتراع ضربة موجعة لكل من حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي وذلك لدعواتهم لاتباع السياسة العرقية والهوية القومية.

فقد انخفضت أصوات حزب الحركة القومية من 16.3 لتصل إلى 11.9 أما الآخر فانخفضت أصواته من 13 بالمئة لتصبح 10.5. بينما حافظ حزب الشعب الجمهوري على أصواته بالمقارنة بين انتخابات السابع من حزيران والانتخابات التي أُجريت في الأول من الشهر الجاري.

أما حزب العدالة والتنمية فقد استطاع رفع أصواته بنسبة 10 بالمئة.  وأهم أسباب هذا النجاح تعود إلى الوقفة الصارمة التي أظهرها الحزب تجاه التطرف العرقي التي دعت لها الأحزاب الأخرى.

وبالنتيجة أصبح مجموع ما حصلت عليه أحزاب المعارضة في تركيا لا يتعدى 48 بالمئة. بينما حصل حزب العدالة والتنمية لوحده على نسبة 49.5. وبالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها رئيس حزب الشعوب الديمقراطية دميرطاش بتجسّد المخاوف التي كانت لديه من خسارة الأصوات التي حصل عليها في انتخابات السابع من شهر حزيران.

أسباب فوز العدالة والتنمية
بالنظر إلى انتخابات حزيران الماضي، نرى أن بعض قوائم النواب التابعين لحزب العدالة والتنمية في بعض المدن قد تم تحضيرها بشكل سريع وغير دقيق. أما في انتخابات تشرين الثاني فقد قام الحزب بتجديد هذه القوائم وبالأخص في مدن شرق وجنوب شرق تركيا.

من ناحية أخرى، قام الحزب بإعادة الأسماء المرموقة إلى الساحة التركية، الذين لم يستطيعوا دخول الانتخابات السابقة بموجب القانون الذي ينص على عدم السماح للنواب بدخول 3 دورات انتخابية متتالية.

وحين ننظر من الناحية الشعبية نجد أن الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية هم الذين يريدون الاستقرار ولا يرغبون بالجماعات الإرهابية، ولا يريدون حدوث أزمات اقتصادية في بلادهم كالتي مرت بها تركيا في الآونة الأخيرة.

ومن العوامل الأخرى، التي ساهمت بفوز العدالة والتنمية، هو عدم التوافق الذي حدث بين أحزاب المعارضة التركية، التي وقفت معارضة أمام طريق الحزب في تشكيل حكومة ائتلافية. ويرى المحلّلون أن الشعب التركي قد عاقب هذه الأحزاب على عدم توافقها وتوحدها لتشكيل حكومة الائتلاف.

المعارضة تنتخب العدالة والتنمية
يمكن القول، بأن القوميين قد خسروا ما يقارب مليون وتسعمئة ألف ناخب خلال الخمسة شهور، بين انتخابات السابع من حزيران والأول من تشرين الثاني. وبالنظر إلى أن أصوات الجمهوريين لم يحدث لها أي تغيير واضح نستنتج أن هذه الأصوات التي خسرها الجمهوريون ذهبت إلى حزب العدالة والتنمية. وتعد الأصوات القادمة من حزب القوميين هي أهم عامل لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة.

فيما خسر حزب الشعوب الديمقراطي ما يقارب مليون صوت من ناخبيه. واستطاع حزب العدالة والتنمية استعادة ثقة الناخب الكردي. فمن المليون صوت ذهب قسم قليل لحزب الجمهوريين وما تبقى حصل عليه العدالة والتنمية. والسبب في ذلك هو الأمان الذي وفرته الحكومة التركية للناخب الكردي وسهّلت له الإدلاء بصوته بحريه ودون أي ضغط من أحد. وهذا ما وضع رئيس حزب الشعوب الديمقراطي دميرطاش في وضع حرج.

وبالنظر إلى أحزاب اليمين الموجودة في تركيا. فقد استطاع كل من حزب: السعادة، والاتحاد الكبير جمع ما يقارب 950 ألف صوت في انتخابات السابع من حزيران حيث قاموا بعمل اتحاد فيما بينهم آنذاك. أما في انتخابات الأول من الشهر الجاري، فشارك كل منهم على حده وحصلوا على مجموع أصوات بما يقارب 587 ألف صوت. وبالنظر إلى الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الأخرى نجد أن 300 ألف صوت ذهبت من هذه الأحزاب إلى حزب العدالة والتنمية.

الوعود الأمنية والاقتصادية
ساعدت الوعود الاقتصادية التي قدّمها حزب العدالة والتنمية في آخر لحظة قبل الانتخابات على حصد أكبر عدد ممكن من الناخبين.

 تلك الوعود لم تكن موجودة في البرنامج الانتخابي الذي قدّمه الحزب في انتخابات حزيران. وقام رئيس الوزراء “داود أوغلو” بإعطاء هذه الوعود خلال حملته الانتخابية بين المدن وكان من أهمها رفع الحد الأدنى لرواتب العمال لتصل إلى 1300 ليرة تركية كراتب أساسي، وتسديد ديون الشعب المتمثلة بديون التأمين الصحي والتي تصل إلى مليارات الليرات التركية، والمِنح التي ستقدم للطلاب والمساعدات المالية للشباب الراغبين في إنشاء أعمالهم الخاصة.

ومن العوامل الأخرى، كانت الأعمال الإرهابية التي قام بها حزب العمال الكردستاني، ودعم حزب الشعوب الديموقراطي لهم بشكل علني ووصفهم من قبل دميرطاش بأنهم ناخبو حزب الشعوب الديمقراطي، فكان لها الأثر في سحب شعبية حزب الشعوب الديمقراطي والعودة إلى التصويت للعدالة والتنمية.

فتعد العمليات التي قامت بها الحكومة ضد حزب العمال الكردستاني وداعش داخل الحدود التركية وخارجها ومحاربة الإرهابيين الموجودين في الشارع التركي وتنظيف الشوارع التركية من الأسلحة والمتفجرات التي وضعت من قبل هؤلاء عاملا أساسيا لتوفير الأمن للناخب والمواطن التركي، ودفعهم للتصويت للعدالة والتنمية.

عن الكاتب

زهراء كرمان

صحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس