مايك زيمانسكي - زود دويتشه تسايتنغ - ترجمة وتحرير ترك برس

سافرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الخميس إلى العاصمة التركية أنقرة، وقد التقت خلال هذه الزيارة بالرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلديريم.

احتجت أحزاب المعارضة التركية على هذه الزيارة، معتبرة أنها بمثابة إعلان موافقة من ألمانيا على النظام الرئاسي في تركيا، وأن ميركل تقوم بحملة انتخابية لفائدة أردوغان.
في ألمانيا يتساءل الجميع في وزارة الخارجية وفي الشارع: ما هو هدف المستشارة من هذه الرحلة؟

من خلال رحلتها نحو تركيا، تسافر المستشارة الألمانية نحو المجهول. وحتى صباح يوم الخميس، قبيل انطلاق الطائرة، لم يكن معلوما بالتحديد من الذي ستقابله ميركل في أنقرة. وبحسب بعض موظفيها، فإنه لم يتم تحديد هذه التفاصيل إلا مع اقتراب طائرتها من مطار أسن بوغا في أنقرة.

ولا تعتبر ميركل بالنسبة لأردوغان مجرد ضيف عادي، فهي مستشارة بلد يعيش فيه ثلاثة ملايين تركي، ولذلك فإنه لا توجد دولة أخرى أوروبية تتشابك مصالحها وتتداخل مع تركيا مثل ألمانيا. علاوة على ذلك، تلعب ميركل دورا مهما في رسم سياسات الإتحاد الأوروبي، بما تمتلكه من حضور وتأثير سياسي.

ولكن كل هذه الاعتبارات لا تنفي أن الطرف التركي يبدو هو الأقوى خلال هذه الزيارة، فكل اللقاءات التي جرت بين ميركل والرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم تتم في القصر الرئاسي. ومن جهتها، تريد ميركل أيضا لقاء زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو في المساء، ولذلك يبدو أن رحلتها إلى تركيا لم تكن سهلة.

ولكن كيف كانت زيارتها السابقة التي أدتها إلى تركيا في السنوات الماضية؟ في كل مرة جاءت فيها ميركل، اتخذت موقف الدفاع. ففي خريف سنة 2015 عندما التقت بأردوغان، كانت عيناها متجهتان نحو الأرض لأنها كانت مضطرة للقدوم إلى تركيا، إذ أن ألمانيا حينها كانت خاضعة لضغط تركي كبير بسبب أزمة تدفق اللاجئين، وكان على ميركل أن تحصل على دعم أردوغان حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة.

خلال ذلك الوقت، حلت ميركل ضيفة على أردوغان في القصر الرئاسي في إسطنبول، وكانت الغرفة مليئة بالأثاث الفاخر، وقد ظهرت صورة ستظل عالقة في أذهان جميع المتابعين في ذلك الوقت، هي صورة ميركل وهي غارقة في كرسي مزخرف بالذهب، يشبه كرسي العرش، وهي تشعر بالانزعاج الشديد. وقد كان انزعاجها هذا واضحا من تعابير وجهها وجسدها، حتى أنها تجاهلت أردوغان عندما مد يده لمساعدتها على النهوض.

والآن يطرح العديد من الألمان، بمن فيهم وزارة الخارجية، سؤالا مفاده: ما هو الهدف من وراء هذه الزيارة؟ هل بإمكان ميركل فعلا تحقيق مكاسب؟

في الخريف المقبل ستشهد ألمانيا انتخابات برلمانية، وستواجه ميركل صعوبة في تبرير وجودها في تركيا، لأن هذا الأمر لم يعد سهلا، خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في الصيف الماضي. فقد شرع أردوغان بعد ذلك في القيام بحملة تطهير واسعة، تضمنت تفكيك الجهاز القضائي.

 وظهرت أيضا دعوات لإعادة حكم الإعدام في عديد من التظاهرات التي حضرها أردوغان، وقد تم تعليق عمل مائة ألف موظف من مواقعهم في المؤسسات الحكومية، ويخضع الآن 40 ألف شخصا للإيقاف في انتظار المحاكمة، لأن الأجهزة الأمنية تشتبه في تورطهم في دعم الانقلاب العسكري الفاشل. وتتجه الاتهامات بشكل خاص للكيان الموازي الذي يقوده الداعية فتح الله غولن في التورط في هذه المحاولة، باعتبار أنه يمتلك شبكة نفوذ تغلغلت في مؤسسات الدولة وحاولت الاستحواذ عليها.

وهنالك أيضا عشرات الجنود الأتراك الذين تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في ألمانيا، وهم متحصنون الآن في قواعد عسكرية تابعة لحلف الناتو، لأنهم يخشون من تعرضهم للاعتقال وتقديمهم للعدالة في تركيا. وقد شددت أنقرة على ضرورة رفض السلطات في برلين لهذه الطلبات.

وفي الواقع، امتد هذا الصراع التركي بين السلطات والكيان الموازي ليصل أيضا إلى الأراضي الألمانية، حيث يقوم أنصار الداعية فتح الله غولن وأنصار السلطات التركية بتبادل الاتهامات حول القيام بأنشطة غير قانونية.

وفي نيسان/ أبريل المقبل، ينتظر أردوغان أن يحقق النجاح في الاستفتاء الشعبي الذي سيمكن تركيا من الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي سيعزز صلاحياته. ومن جهتهم، يؤكد كثيرون أن هذا التغيير الدستوري نحو النظام الرئاسي سوف يؤدي لتزايد سلطات الرئيس، وهو ما ترفضه المعارضة إذ أن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الذي يقوده صلاح الدين ديمرطاش، والمساند للمنظمات الكردية الانفصالية، يؤكد أنه يعتزم عرقلة مرور هذا الاستفتاء.

في المقابل، يتعرض حزب ديمرطاش بدوره لضغوطات كبيرة ويواجه مشاكل قضائية، إذ أن العديد من قادة الحزب هم الآن رهن الإيقاف، بعد توجيه اتهامات لهم بالتورط في الإرهاب، بسبب العلاقة المشبوهة بين حزب الشعوب الديمقراطي ومنظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة على أنها إرهابية. وقد توجب على ميركل خلال زيارتها إلى تركيا طرح هذه المسألة، بعد أن دعاها سياسيون ألمان لإيصال صوت المعارضين الأتراك، الذين يخشون من أن هذه الملاحقات القضائية ستؤدي لإضعاف حزب صلاح الدين ديمرطاش.

زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو يشعر بالمرارة

تأتي زيارة ميركل في وسط الحملة الانتخابية حول استفتاء التعديل الدستوري، الذي تعتبر المعارضة التركية أنه سيعني "نهاية الديمقراطية". ولهذا يعتبر الموعد الذي اختارته ميركل للسفر إلى تركيا غير مناسب.

 ففي سنة 2015، قامت ميركل بزيارة أردوغان بسبب أزمة اللاجئين، وبعد ذلك بوقت قصير حقق حزب أردوغان نصرا مهما في الانتخابات البرلمانية. ولذلك، يشعر زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو هذه المرة بمرارة شديدة وهو يرى ميركل تزور أردوغان مجددا، فمن وجهة نظره ما تقوم بهم ميركل الآن هو بمثابة القيام بحملة انتخابية لصالح أردوغان.

وتظهر خيبة الأمل والمرارة في تصريحاته التي وضع فيها المستشارة مع ترامب وبوتين في سلة واحدة، حيث قال: "لا يهم من يساند أردوغان سواء كان بوتين، ترامب أو المستشارة ميركل".

ومن ناحية أخرى، يرجح أغلب المتابعين أن أردوغان لن يقوم بأية خطوات للتقارب مع ألمانيا ولن يتزحزح عن مواقفه قيد أنملة، لأنه يعلم جيدا أن الضغوط تحقق له مكاسب أكبر، وأن التصلب في مواقفه من شأنه أن يصعب على الطرف الآخر الحصول على أية مكاسب يمكنه من خلالها اعتبار أن المفاوضات كانت ناجحة.

وفي الحقيقة، سيؤدي هذا اللقاء، الذي عُقد يوم الخميس، في أحسن الحالات إلى عدم تدهور التعاون بين البلدين، وبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين أردوغان وميركل. أما في برلين، فإن معسكر حزب المستشارة يدافع عن هذه الزيارة بالقول إن أردوغان يمكن أن يفهم أثناء لقائه معها أنه لم يعد لديه حلفاء في أوروبا، وأن ميركل هي التي يمكنها طرح رؤيته والدفاع عنه.

وتجدر الإشارة إلى أن تركيا التي تزورها الآن ميركل ليست هي نفسها تركيا التي التقت فيها مع أردوغان في أول زيارة لها في سنة 2006. ففي ذلك الوقت، كانت ميركل مترددة بشأن قبول عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الجانب التركي وقتها بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان كان يقوم بجهود كبيرة ليحظى بالقبول داخل الاتحاد. وقد قالت ميركل حينها: "نحن نستعد لتوسيع الجسور التي تم تشييدها في السابق". ولكن اليوم وعلى ضوء على ضوء هذا التصريح، يطرح كثيرون السؤال التالي: "ما الذي بقي من هذه الجسور بين البلدين؟".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس