عثمان جان – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

نستطيع القول أنّ هذه الانتخابات هي الأكثر تشويقا في تاريخ الجمهورية التركية، فهي انتخابات لم تتأثر بوصاية العسكر ولا بوصاية البيروقراطية، ولهذا أخذت الأحزاب السياسية دورها الحقيقي لمعالجة المشاكل الأساسية في تركيا، وربما هذا يحدث لأول مرة في تاريخ السياسة التركية، ولأول مرة أيضا يحدث تنافس حقيقي على الحُكم.

خرجت القضايا المجتمعية والثقافية والاقتصادية والعالمية من طور المؤسسات البيروقراطية، وأصبحت الحكومات السياسية تستطيع الحديث عنها بل والتدخل فيها وأصبحت صاحبة النفوذ في اتخاذ القرارات المتعلقة بها.

واليوم أيضا أزيل الفرق بين أنْ الحزب قادرا على الحُكم، أو أنْ يكون حاكما، فمهما كان الحزب الذي سيفوز بالحُكم، سيستطيع فعليا إدارة كل مؤسسات الدولة، وتستطيع باقي الأحزاب السياسية عن طريق النظام البرلماني الديمقراطي مراقبته، وهذا الوضع يسرنا جميعا.

تركيا لم تعش مثل هذه الوضعية في تاريخها، باستثناء الحقبة ما بين 1950-1960، ولهذا فإنّ البعض ينزعج من رؤية هذا المشهد، الذي يتمثل بأنّ إرادة الشعب تتحقق في المجلس، وصوت الشعب يشكل الحكومة، فذلك القسم من الناس يرون هذا المشهد على أنه خطر، ويخافون دوما من هوس الديمقراطية.

لكن من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل حقيقة وجود بعض القلق حول النظام الحالي، فحتى لو كان المجلس يستطيع التحكم ومراقبة الحكومة، لكن إدارة هذا الأمر يجب أنْ يتم بطريقة ديمقراطية أيضا، وهذا يتم عن طريق التوازن الديمقراطي وآليات مراقبة.

ونشعر بالقلق حيال أوجه القصور هذه التي يعاني منها الدستور الحالي، وفي الحقيقة هذا الأمر يقلقنا جميعا، فالحكومة لا تكون مقتدرة على إدارة شؤون البلاد فحسب، وإنما تستطيع التصرف دون حدود، ودون أنْ يراقبها أحد.

ودليل هذا التنافس الشديد على الحصول على كعكة الحكومة الكبيرة، فتشكيل الحكومة لا يعني السيطرة على الأمور الداخلية فحسب، وإنما يعني التدخل في كل الشؤون الخارجية والدولية والإقليمية، ولهذا حصلت الانتخابات الأخيرة على اهتمام القوى الخارجية بصورة كبيرة جدا، واختارت العديد من مراكز القوى الخارجية التدخل في هذه الانتخابات.

وحسب النتائج الأولية، فإنّ هناك حالة من التوازن في النسب التي حصلت عليها الأحزاب، وهذا التوازن لا يندرج أصلا في نظام الدستور الحالي، وحصل ذلك بسبب تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي نسبة الحسم، ولهذا لم يفز أي حزب بأغلبية مطلقة، وهذا يزيد من احتمالية تعطل النظام السياسي وتعرقله.

وبهذا نكون قد دخلنا مرحلة سنعيش فيها مشاكل عميقة يعاني منها النظام حسب الدستور الموجود، وذلك بسبب عدم قدرة أي حزب على تشكيل الحكومة لوحده، وآمل أنْ تدرك كل الأحزاب التركية مشاكل الدستور الحالي وما سيحدثه من تعطل دور الحكومة القادم، ليتعاونوا جميعا ويعملوا على تشكيل دستور جديد يفتح الآفاق أمام تركيا.

عن الكاتب

عثمان جان

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس