محمود حاكم محمد - خاص ترك برس

في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 7 حزيران/ يونيو الماضي فقد حزب العدالة والتنمية نسبة كبيرة من مناصريه ذوي التوجه القومي بسبب عملية السلام التي كان يسعى من خلالها لإنهاء صراع دام أكثر من 30 عام، واستطاع حزب الحركة القومية رفع نسبة أصواته إلى 16% بعد أن كانت 13% في انتخابات 2011، بعد إقناع تلك الفئة أن حكومة العدالة والتنمية تمنح التنازلات تلو الأخرى لحزب العمال الكردستاني دون أي مقابل، مما سيؤدي في نهاية الأمر إلى فقدان المناطق الجنوبية للبلاد لصالح إقامة الدولة الكردية.

وفي ليلة 7 حزيران/ يونيو بعدما اتضحت نتائج الانتخابات وتبين أنّه من غير الممكن إنشاء حكومة منفردة من قبل حزب العدالة والتنمية رغم تقدمه بنسبة 40.9% من مجموع أصوات الناخبين. ألقى دولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية خطابًا مفاده، أن على الحزب الحاكم العمل على تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب الشعب الجمهوري أو كلاهما معًا وأن حزبه مستعد لتولي دور المعارضة الأم في البلاد بشكل لائق. أما إذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة معهما فإن حزبه مستعد للذهاب إلى انتخابات مبكرة مغلقًا باب مشاركة حزبه في حكومة ائتلافية.

لم يكن سبب رفض بهتشلي لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية مفهومًا، حيث أن هدف أي حزب يخوض انتخابات برلمانية هو تشكيل حكومة سواء منفردة أو ائتلافية لا سيما أن الوعود الانتخابية التي يقدمها في مرحلة ما قبل الانتخابات تكون مرهونة بشكيله  الحكومة التي تدير البلاد.

وكان من الطبيعي أن يرفض بهتشلي عرض رئيس حزب الشعب الجمهوري تسليمه منصب رئيس الوزراء مقابل موافقته على تشكيل حكومة ائتلافية يضم حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني)، وذلك لأن أي تحالف يضم الحركة القومية مع الشعوب الديمقراطي سيؤدي إلى انتهاء الحياة السياسية للحركة القومية وعدم اجتيازه السد الإنتخابي.

في 9 تموز/ يوليو الماضي غيّر بهتشلي تكتيك رفض تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية بفرض 4 شروط من غير الممكن قبولها من الأخير، كان أبرزها إنهاء عملية السلام وتهميش دور الرئيس رجب طيب أردوغان، لكي يخلي ذمته أمام مناصري حزبه في حال دخول تركيا في أي أزمة اقتصادية أو سياسية نتيجة عدم أو تأخر تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد.

وفي 10 آب/ أغسطس الجاري يجري بهتشلي تغييرًا تكتيكيًا آخر من خلال بيان غامض مبهم قال فيه: "إن تركيا في وضع حرج، وفوضى عارمة فيها، يجب على الجميع (أي حزب العدالة والتنمية) أن يقوم بتحمل مسؤولياته (أي أن يقوم بتشكيل حكومة) ولكن هنالك شرط. الشرط هو أن لا يكون هناك مكان للأفاعي والحريش والعقارب والسحالي (المقصود مملثي الأكراد السياسي والمسلح أي عملية السلام بمعنى آخر). أثناء قيام كل منّا بتحمل مسؤولياته سنرى أين نقف وندرك ما الذي سيصيبنا. وإذا رأينا أن هنالك ثقة في التعامل سنقوم بتحمل مسؤولياتنا دون تردد".

ارتفاع أصوات حزب الحركة القومية في الانتخابات الأخيرة بنسبة 3%، جعل بهتشلي يخشى أن يقوم بإجراء أي خاطئ يسبب بفقدان هذه النسبة. فدخول حزبه في حكومة ائتلافية يجعله في مرمى الاتهام تجاه أي أزمة قد تصيب تركيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم اجتياز الحزب السد الإنتخابي كما حدث في الانتخابات التي جرت عام 2002 بعد حكومة ائتلافية شكلتها أحزاب الوطن الأم واليسار الديقراطي والحركة القومية. وهذا ما يجعل بهتشلي يصر على القيام بدور المعارضة بدلًا من أن يشارك في تشكيل حكومة ائتلافية لأن حزبه في هذه الحالة سيصبح الجهة التي توجه الاتهام بدلاً من أن تكون المتهمة بالتقصير وعدم القدرة على إدارة البلاد في حال ظهور أزمة فيها.

أغلب الظن أن تركيا ستسير قدمًا نحو انتخابات مبكرة تحت حكومة أقلية تشكلها العدالة والتنمية، لا سيما بعد أن أعلن حزب الحركة القومية ولأكثر من مرة استعداده لدعم تلك الحكومة بشرط تحديد موعد الانتخابات في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام.

إنني أتساءل، ما الذي سيقوله بهتشلي ليطالب بتأييد حزبه في الانتخابات المبكرة؟ هل سيقول إننا (أي حزب الحركة القومية) بارعون في تأدية دور المعارضة لذا صوتوا لنا لكي يتسنا لنا الإستمرار في تأدية هذا الدور؟؟؟

عن الكاتب

محمود حاكم محمد

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس