غولاي غوك ترك – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

سيكتب التاريخ أنّ تركيا تمر في هذه الأيام من ممر مضيق، وسيتم شرح قصة هذا المرور بعدة طرق مختلفة، وأنا كنت حتى وقت قريب أكتب عن هذه الحكاية بالاعتماد أكثر على العناصر الداخلية، ليس السبب في ذلك أنني لم أكن أرى العوامل الخارجية، وإنما لأنني كنت أعتقد بأنّ العوامل الداخلية هي التي نستطيع تغييرها والتأثير عليها بصورة أكبر.

لكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه الحكاية ليست مجرد حكاية أدوار داخلية، وذلك لأنّ كل الثقل والدور الرئيسي فيها أصبح للعناصر الأجنبية، واقتصرت معظم الأدوات الداخلية على تنفيذ ما تريده تلك القوى الخارجية، ولهذا أصبح من الصعب جدا شرح هذه الحكاية بناء على دور العناصر الداخلية فقط.

ونحن الآن جميعا نرى حجم العمليات التي تمارس ضد دولة قررت الوقوف في وجه النظام العالمي الذي تتحكم فيه القوى العظمى، وهناك وسائل عدة استخدمتها هذه القوى من أجل إعادة هذه الدولة تحت هيمنتهم، بدءا بالانقلابات العسكرية التي كان الجيش يقوم بها، وكان هذا الطريق هو الأسهل بالنسبة لهم.

لكن أمورهم أصبحت أصعب بعد فقدانهم هذا السلاح، وأصبحوا مجبورين أنْ يكونوا من مناصري "المجتمع المدني"، ووضعوا أعينهم على كل التشققات في المجتمع، ولذلك استغلوا احداث "غيزي بارك"، وحاولوا تضخيم هذه الأحداث ليصفوا الدولة بأنها "غير قادرة على إدارة هذه الأزمة"، لكنهم فشلوا.

وبعد ذلك قرروا استخدام جماعة دينية تخضع لسيطرتهم وتحكمهم، وحاولوا السيطرة على كل مفاصل الدولة من خلال تسرب شبكة هذه الجماعة داخل أجهزتها، لكن الدولة خرجت من هذا الفخ وفشلوا مجددا.

لم يتبق أمامهم خيار آخر غير استخدام الكرت المعروف والقديم، يهدفون من خلال ارهاب حزب العمال الكردستاني لتحويل تركيا إلى جهنم جديدة في المنطقة، من خلال التأثير على كل فئات الشعب المختلفة والوصول للهدف المنشود وهو الحرب الأهلية، ولا شك أنّ هذا الوضع صعب للغاية.

لكن هذا لن يكون مصيبة تركيا الحقيقية ومحنتها، وإنما المصيبة، هي عدم وقوفنا نحن الشعب يد واحدة ضد هذا المخطط الخارجي، أن لا نتشارك في فرحنا وقلقنا، وبرغم أنّ وقوف القوى الخارجية خلف الأعمال الارهابية التي تجري في تركيا أصبح واضحا جدا للعيان، إلا أنّ بعض المثقفين والإعلاميين والصحافة وبعض السياسيين، ينشرون الأكاذيب، ويضللون الحقائق، ويخدعون الناس، ويهدفون لتحميل المسؤولية للنظام الحاكم.

لماذا يقومون بذلك؟ من أجل الإطاحة بحزب يحقدون عليه، ووصلوا إلى درجة من الحقد لم يعدوا فيه يرون الدولة على أنها دولتهم، وإنما "دولة اردوغان"، وأصبحوا يرون الجيش على أنه "جيش القصر"، والشرطة "شرطة قصر اردوغان".

ولا شك أنّ هناك أسباب مادية لهذا الحقد والكره، لأنهم منذ العام 2002 وحتى الآن لم يحصلوا على الامتيازات التي اعتادوا الحصول عليها في السابق، ولهذا لم يتعودوا على مدار 15 عاما مضت العيش بدون هذه الامتيازات، وسياسة الدولة تُبنى دون وجودهم ودون تأثيرهم، ولهذا لا يريدون دولة تسير دون أنْ تكون خاضعة لإدارتهم وهيمنتهم.

لكن ليتفكروا قليلا، هل يريدون دولة ممزقة منقسمة محطمة؟ أي امتيازات سيحصلون عليها حينئذ؟ لكنهم على ما يبدو لن ينتهوا من هذه التصرفات، وحاولنا كثيرا أن ننصحهم "لا تفعلوا، أفيقوا، الدولة كلها في خطر"، لكنّ آذانهم صم، وعيونهم لا ترى، وضمائرهم ميتة.

والمخرج الوحيد من هذا الخطر هو الحاكم الرئيسي، هو الشعب، الذي نأمل وننتظر منه أنْ يقودنا مجددا إلى بر الأمان.

عن الكاتب

غولاي غوك تورك

كاتبة في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس