أحمد البرعي – خاص ترك برس

بين يدي عيد الأضحى المبارك يؤم أهل اسطنبول "شوادر الأضاحي" التي تنتشر في كل أحياء وشوارع المدينة التاريخية. يتوافد الناس بأطفالهم وأقربائهم وأصدقائهم لشراء الأضحية كما كل عام، ولا يخلو هذا العام من مذاق سياسي خاص فرضته الأجواء السياسية المشحونة في الوسط التركي وكذا المحيط الجغرافي الثائر المائج الذي أضحى مادة للحديث في جل التجمعات واللقاءات المجتمعية.

وليس الإسطنبوليون استثناءً من غيرهم في طرح أفكارهم، والافتاء في كل شاردة وواردة، ويكأن الواحد منهم ضليع في السياسة، ومخضرم في علم التحالفات والمقاربات والمساومات السياسية. فهذا شيخ في السبعين من عمره يعلو وجهه ذو اللحية البيضاء نور السماحة والطيبة يقول: جاءني بنتان من حزب "السعادة" – وهو الامتداد السياسي لحزب الوطن الأم "ميلي جوروش" الذي أسسه المرحوم نجم الدين أربكان عام 1969 - يشددان على الادلاء بصوتي في الانتخابات القادمة، المزمع انعقادها في الأول من نوفمبر المقبل، لحزبهم حزب "السعادة" ولا يملان من تكرار أن الحزب هو الحركة الإسلامية الوحيدة التي تتخذ من الإسلام منهجاً شاملاً. ولكني جادلتهن وأعليت صوتي قائلاً إن الامتداد الفعلي لمنهج المرحوم أربكان هو الطيب أردوغان وليس أحد سواه، فهو الذي يفهم معنى الأمة ونصرتها لا نصرة جماعته وحزبه فقط كما يفعل، على حد زعمه، من هم على رأس حزب "السعادة" الآن. ولن أصوت إلا لأردوغان، حاولاتا جاهدتين اقناعي إلا أنني مصمم على رأيي ولن أبدل ولن أغير ما حييت.

 جدير بالذكر أن حزب السعادة لم يفز في الانتخابات السابقة بـ 2% من أصوات الناخبين الأتراك رغم تحالفه مع حزب "الوحدة الكبرى"، ولا يخفي الحزب الآن استعداده وترحيبه بتحالف مع العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة.

"يا عماه، دعك من "السعادة" وقل لي ما رأيك في الفتنة بين الأكراد والأتراك؟ وإلى أين تتجه الأمور؟" سأل أحد أقارب الشيخ الكبير وكأنه يريد أن يسمعنا رأي عمه الشيخ. أجابه الشيخ "كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله" يا ابن أخي، هذه يد إسرائيل تلعب في تركيا فكما بثوا سموم "الفتنة" بين الإخوة في دول الجوار، يريدون أن لا يروا تركيا دولة قوية تقف في وجه غطرستهم ومخططاتهم، فيوعزون لرجالاتهم بإثارة الفتن والقلائل، وخاصة أن تركيا خرجت من انتخابات وصراعات سياسية بحكومة مؤقتة وفراغ سياسي دفع أمريكا وعملائها للتفكير بالعبث في أمن البلاد واستقرارها. ولكن الله يسر لهذه الأمة رجلاً بأمة كالطيب أردوغان يتمتع بحكمة ودراية سياسية، يسوس الأمور بالعقل لا بالعاطفة ويفهم ألاعيب الأبالسة، ولا يقع في أفخاخهم. فأبشروا ولا تقلقوا، ففي الانتخابات القادمة سيعطي الشعب الدرس الحقيقي لأمريكا وإسرائيل وزبانيتهم في المنطقة.

وكأن كلام الشيخ هو نفس الكلام الذي يصرح به قادة حزب العدالة والتنمية في لقاءاتهم الصحفية، فهذا نعمان كورتولوموش، نائب رئيس الوزراء التركي يقول أثناء اللقاء الجماهيري المليوني الذي دعت له رئاسة الجمهورية بعنوان "صوت واحد ضد الإرهاب": "إن هذا الحشد يبعث برسالة واضحة للقوى التي تقف خلف حزب العمال الكردستاني، فنحن نعلم أنه أداة تحركه أطراف أخرى، وهذا المشهد الجماهيري المهيب يرسل الصورة الحقيقية للوحدة التركية الكردية، فهنا ترى كل الأطياف والعرقيات في تركيا جاءوا جميعاً ليقولوا بصوت واحد لا للإرهاب ونعم للأخوة والوحدة على أرض جمهوريتنا التركية الموحدة".

كان هذا المؤتمر الحاشد فاكهة حديث الأضحية، إذ إن معظم في الجلسة الهادئة كان يشيد بحكمة العدالة والتنمية وباعلائهم لصوت العقل والمنطق في التعامل مع المؤامرات الداخلية، فهذا يقول مستهزءاً: يخرج علينا البروفيسور الدكتور "سيدات لاتشينار" عبر شاشات جماعة "فتح الله كولن" (وهي الجماعة التي تتهم بالتوغل في أركان الدولة وبتشكيلها كياناً موازياً، يحاربه أردوغان بشراسة وضراوة في الفترة الأخيرة) يطالبنا بالخروج في مسيرات صامتة ضد الإرهاب، تماماً كما يفعل العالم الراقي والمتحضر، ويضيف البروفيسور وكان يجب أن يخرج في هذه المسيرات كافة ألوان الطيف السياسي من اليمين إلى اليسار وليس كما حدث في اللقاء المليوني في "يني كابي" الذي أضحى مسرحاً سياسياً وانتخابياً لحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية" يعقب الرجل: الغريب المضحك أنه بروفيسور!!

الطيب أردوغان ورئيس الوزراء داوود أغلو وجّهوا رسائل عدة لكافة الأحزاب وقياداتهم للمشاركة في فعاليات ضد الإرهاب سواء في لقاء "يني كابي" أو غيره، لكن أياً منهم لم يفعل ولم يوعز لأنصار حزبه حتى للنزول في المسيرات التي دعت لها القوى المدنية في العاصمة أنقرة. ثم يقول هذا البروفيسور إن حشد "يني كابي" قد خلا من الأكراد، ولم يرسل رسالة محبة وأخوة لهم، ولا يستطيع المراقب أن يلحظ تواجداً فاعلاً وحقيقياً للأكراد في ذلك اللقاء. وأنا أرد عليه، وكيف لك أن تعرف؟ هل أجريت استطلاعاً للرأي، وهل سألت معظم المشاركين؟ أم هل تمتلك الفراسة الخارقة التي تمكنك بمجرد النظر إلى وجوه الجمع عبر الشاشات لتعرف أنهم بزرقة عيونهم وشعرهم الأصفر ليسوا أكراد؟! ثم أعقبها بحماسة قائلاً: أنا كردي وكنت في مؤتمر "يني كابي" بل وأزيدك من الشعر بيتاً "لقد أعطيت صوتي في الانتخابات السابقة لحزب الشعوب الديمقراطي – ذو الصبغة الكردية – ولكني ندمت على ذلك أشد الندم وصوتي وأهلي في الانتخابات القادمة لحزب العدالة والتنمية. لماذا؟ لأني أريد الاستقرار وافتخر أنني ابن الجمهورية التركية بقيادة الطيب أردوغان، الزعيم الوحيد الذي يواجه قوى الظلام في العالم، ويرفع صوته قائلاً إن العالم أكبر من خمسة – في إشارة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحد- أردوغان هو صوت المظلومين وناصر المستضعفين ولذا سأصوت لحزب العدالة والتنمية. وليس كأولئك الذين يزعمون أنهم يحملون الهم الكردي ويسعون لتحقيق طموحات وتطلعات الشعب الكردي نفاقاً وكذباً إذ يعلم بأساليبهم من عايشهم وذاق مرارة أخلاقهم وكذبهم.

كان الطيب أردوغان قد صرح في ذلك المهرجان بأنه دعا جميع "مخاتير" المحليات والمدن التركية إلا أن أكثر من 80 منهم قد تغيب عن الحضور بعد أن أكد حضورة، وبعد البحث والتحري علمت الجهات المختصة، أن "المخاتير" امتنعوا عن الحضور تحت نيران التهديد من أفراد ومنتسبي حزب العمال الكردستاني.

"ألن تدلو بدلوك في هذا النقاش الجميل؟!" سألت أحد الشباب المستمعين، فأجاب: "كان الهاجس في الانتخابات السابقة "هل سيجتاز حزب الشعوب الديمقراطي عتبة 10% لدخول البرلمان التركي؟" ولكن السؤال في هذه الانتخابات هو هل سيتمكن العدالة والتنمية من الفوز بالأغلبية لتشكيل حكومة بمفرده؟" ولذا فإني أجزم بأن الانتخابات القادمة لن تكون كسابقتها فالتنافس سيكون بشكل أساسي بين العدالة والتنمية من جهة وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي من جهة أخرى.

 ولهذا الطرح وجاهة تحترم، أزعم أن العدالة والتنمية تنبه لها، فقد استطاع العدالة والتنمية اختراق صف الحركة القومية بترشيح ابن مؤسسه "طوغرول تركش" على قوائمه الانتخابية، وقد شكلت قصة فصل الأخير من حزب الحركة القومية صفعة لمبادئ الحزب وسيكون لها ارتدادات ستظهر جلية في الانتخابات القادمة. وأظن أيضاً أن حزب العدالة والتنمية قد أحسن التصرف في تعديل النظام الداخلي للحزب استثنائياً فيما يتعلق بفترة ترشح أعضائه لأكثر من ثلاث دورات برلمانية، إذ إن لوائح الحزب كانت قد منعت أعضاءه من الترشح لأكثر من ثلاث دورات برلمانية، إلا أن الحزب، وخاصة بعد نتائج الانتخابات السابقة، قد أعاد النظر وأدرج أسماءاً من المؤسسين والحرس القديم على قوائمه سيكون لكل منهم وزنه الانتخابي خاصة في المناطق الجنوبية ذات الأغلبية الكردية والتي كان العدالة والتنمية قد فقد الكثير من أصواتها في الانتخابات السابقة.

أنهى هذا الحوار السياسي أحد المدرسين مازحاً، أنا سأرشح العدالة والتنمية لأنهم قد أطالوا العطلة الصيفية لأكثر من ثلاثة أشهر ونصف وهذا ما لم نتمتع به منذ سنوات طويلة، وكل عيد أضحى وأنتم والأمة الإسلامية بألف خير. 

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس