حسين بيسلي – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

أذكر أن الاستاذ محمد جنتش - وقد يكون غيره -  كان قد قال في إطار موضوع الاجتماعيات والسوسيولوجيا عند العثمانيين وبجانب ذكره لصفات مختلفة: أن العثمانيين كان عندهم كل شيء إلا الخيانة. فالعثمانيون ورغم التنوع العرقي والديني نجحوا أن يجعلون من المواطنة العثمانية هوية فوق كل الاعتبارات ليؤسسوا بذلك لحياة مبنية على التكاتف والمشاركة ووحدة الهدف والمستقبل. ومن الطبيعي أن المجتمع الذي يؤمن بالهدف والواحد والمستقبل الواعد لن ينتج الخونة، لأنه وبذلك الوضع يكون الجميع  قادر على تمييز الأخطاء المرتكبة على مستوى فردي وعلى وعي ودراية بأن مثل هذه الأخطاء تضر بالجميع بما فيه الخائن نفسه، ومن المعروف أن لا أحد يسعى فناء ذاته وضرر نفسه.

2

لكن اليوم...

في وريثة الإمبرطورية العثمانية، تركيا...

وفي الزمن الذي نسمع فيه دوي الانفجارات ونرى فيه دماء الأبرياء تراق في مركز السلطان ومدينة عرش السلطنة في إسطنبول...

الأكاديميون الذين من المفترض أنهم متعلمون ومثقفون، أولئك الذين أصبحوا أساتذة يشرحون المقررات في الجامعات، والذين نعدهم جزءً مهمًا من هذا الوطن نراهم يوقعون أسفل تقرير!!

قد يكون الخبر إلى هنا مدعاة لقول "ما أجمل ما يحدث حيث أن أهل العلم والعلماء يهتمون بمشاكل الوطن ويسعون إلى حلها ويطرحون آراءهم وخططهم إزاء الحل"، لكن عند قراءة نص التقرير يخيل للقراء أن التقرير ما كتبه إلا خبراء علم السيكولوجيا في جيش العدو لتثبيط عزائمنا وإضعاف قوانا وما رماه على سواحلنا إلا قراصنة البحار، ونحن الذين كنا نأمل أن يكون هذا التقرير شفاء لما في الصدور ودواء للجراح. وعلى ذكر القراصنة، فحتى "أعتى الأعداء" يخجل أن يرسم توقيعه علنا على مثل هذا التقرير. وحسب ما نراه الآن فالذي لم يكن موجودًا في السلطنة العثمانية موجود وبكثرة في وريثتها تركيا ألا وهو العملاء والخائنون.

3

أحد أهم الإساءات التي ارتكبها الكادر الذي أشرف على إقامة الجمهورية التركية بحق هذه الأمة هو أنه أفسح المجال وحضر الأرضية المناسبة لتنشئة أمثال هؤلاء الخائنين.

فقد سارت الكوادر المؤسسة للجمهورية في طريق وعلى نهج يسعى إلى إيجاد شعب لا علاقة له بماضية المشرف ولا علاقة له بالفضائل التي اتسم بها العثمانيون والتي اكتسبوها من الإسلام، ولأجل هذه الغاية وبسبب التطبيقات التي اتبعوها في التربية والتعليم أنتجوا لنا نسلًا "غريبًا" عن أمته وثقافته وتاريخه ومنطقته. وبعد حبسهم هذا النسل الذي لا ارتباط بينه وبين ماضيه في لغة جديدة وهوية قاصرة ومحددة وملكية محدودة وبدون أي رؤية مستقبلية لم يجدوا طريقا أسهل من اتباع الغرب الأجنبي تحت مسمى التعليم  والعلم. وهذا الوضع لم ينجح إلا بإخراج عناصر أجنبية فعلا.

النقطة التي وصلنا لها وبالارتباط مع التغيرات الدورية والتطورات المستمرة  أن عناصر الأمس "الأجنبية" تحورت وتطورت إلى عناصر اليوم "الخائنة" ونحن اليوم في مواجهة حقيقية وجها لوجه مع هذه العناصر الخائنة.

4

قد يكون ما حدث "جيد وحسنا"

فالتخلص وضرب العناصر الخائنة في العلن أسهل وأولى من ضرب العناصر الضارة المتخفية...

أتمنى أن يحدث ما فيه خير لهذا الوطن...

عن الكاتب

حسين بسلي

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس